
يواجه القطاع العقاري المصري أخطر تحدياته في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار “على الورق”، بينما الطلب المحلي يعاني من الركود الشديد. في وقت تشهد فيه الدولة تصريحات رسمية عن انخفاض الدولار وتراجع التضخم، يبدو أن الواقع في السوق العقاري مختلف تمامًا. الأسواق تشهد اختناقًا حقيقيًا في السيولة، ارتفاعًا غير مبرر في الأسعار، وانهيارًا في القوة الشرائية، ما يهدد الاستقرار العام للقطاع.
١. ما الذي يحدث في السوق العقاري؟
رغم زيادة أسعار العقار على الورق، إلا أن الطلب الفعلي نادر للغاية. مع حالة من الركود العميق، ينتظر الكثيرون انخفاض الفائدة والتضخم قبل اتخاذ أي خطوة. ظاهرة إعادة البيع (Resale) أصبحت أكثر انتشارًا، حيث يلجأ الملاك لبيع الوحدات لتجنب التعثر في سداد الأقساط. في المقابل، أصبحت الإيجارات خيارًا مفضلًا بسبب تراجع القدرة الشرائية للأفراد، مما يعكس انهيارًا في مفهوم التمليك.
٢. لماذا لا ينخفض العقار رغم انخفاض الدولار؟
السوق العقاري لا يرتبط بشكل مباشر بتقلبات الدولار أو التضخم اللحظي، فتكاليف البناء والتمويل العقاري هي العامل الأكبر في تحديد الأسعار. مع زيادة أسعار مواد البناء مثل الأسمنت والحديد، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المحروقات، وجد المطورون العقاريون أنفسهم مجبرين على رفع الأسعار لتغطية تلك الزيادة في التكاليف، على الرغم من غياب الطلب الفعلي.
٣. أزمة السيولة والتمويل — المطورون في أزمة غير مسبوقة
يشهد القطاع أزمة سيولة خانقة، حيث توقفت العديد من المشاريع بسبب الديون المتراكمة والأقساط المستحقة التي لا تستطيع الشركات الوفاء بها. كما أن البنوك أصبحت متشددة جدًا في الإقراض، مما أدى إلى توقف العديد من المشروعات العقارية، مع عدم وجود خطوط تمويل ميسرة تغطي احتياجات القطاع.
٤. تكلفة البناء: السبب وراء تعطل المشاريع العقارية
أدى ارتفاع أسعار أسعار مواد البناء إلى زيادة كبيرة في تكاليف البناء، مما جعل العديد من المطورين العقاريين في موقف صعب. من ناحية أخرى، يتعين على المطورين رفع الأسعار للحفاظ على جدوى المشاريع، رغم أن المشترين الفعليين نادرون، ما يؤدي إلى زيادة الأسعار دون بيع فعلي.
٥. تدخلات الدولة: من منظم إلى منفذ ومنافس
أدت الإجراءات الحكومية الأخيرة إلى زيادة الضغط على السوق العقاري، حيث قامت الحكومة بفرض رسوم جديدة على الأراضي غير المطورة، وتشديد إجراءات منح الأراضي، ما أثر بشكل مباشر على قدرة المطورين على إتمام المشاريع. كما أشار العديد من المطورين إلى تدخلات الدولة المفرطة التي تقلل من دور القطاع الخاص، مثل سحب الأراضي من المطورين المتأخرين في التنفيذ، حتى لو كانت الأسباب خارجة عن إرادتهم.
٦. مبادرات الدولة لتخفيف الضغط على العقار:
في محاولة لإنقاذ السوق العقاري، طرحت الدولة مبادرات لتوجيه اهتمامها نحو المصريين في الخارج، حيث تم إطلاق المرحلة الثانية من مبادرة “بيتك في مصر”، وهي عروض سكنية موجهة للمصريين في الخارج، مع خصومات مغرية وأسعار قسط مرنة. الهدف من هذه المبادرة هو جذب العملة الصعبة لدعم الاقتصاد المصري و إنقاذ القطاع العقاري من الانهيار.
٧. التوصيات لإنقاذ القطاع العقاري:
- وقف تدخل الدولة كمنافس مباشر للقطاع الخاص، بحيث تظل منظمًا وميسرًا.
- إعادة جدولة المستحقات المالية على المطورين، بما في ذلك أقساط الأراضي ورسوم الحكومة، مع التزام الدولة بتوصيل المرافق في مواعيد محددة.
- فتح خطوط تمويل ميسرة للمطورين الجادين، بالتعاون مع مؤسسات دولية.
- تنفيذ خطة طوارئ لدعم مدخلات البناء، خاصة للمواد الأساسية مثل الأسمنت والحديد، لضمان استمرارية المشاريع.
- إنشاء خطة تصدير عقاري واضحة، مع حوافز ضريبية وبرامج تسويق دولية تستهدف المصريين في الخارج.
- حماية المشتري من خلال ضمانات واضحة، وآليات تحكيم سريعة، وتوفير معلومات شفافة عن حالة المشاريع.
- إطلاق حوار فوري ومُلزم بين الرئاسة و غرفة التطوير العقاري لوضع قواعد واضحة للسوق.
خاتمة:
القطاع العقاري في مصر يواجه تحديات كبيرة تتطلب تعاونًا سريعًا بين الحكومة والمطورين لتجنب الانهيار. إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جادة لحل أزمة السيولة و توفير التمويل اللازم، فإن الركود في السوق قد يتحول إلى انفجار اقتصادي يضر بالمطورين وأيضًا بالاقتصاد المصري بشكل عام.
•يذكر أن سالي صلاح هى خبير التخطيط الاستراتيجي والتسويق الدولي والرئيس التنفيذي – Smart Strategic Business Solutions