
* البنك المركزي سيكون في حيرة مساء اليوم بين جنة خفض الفائدة ونار التضخم بعد تحرير الوقود
* هل سيؤجل صندوق النقد المراجعة المؤجلة أصلاً بسبب تقاعس الحكومة في ملف الطروحات؟
من المنتظر أن تصدر مساء اليوم 3 قرارات في غاية الأهمية والتأثير على الاقتصاد، وبالتالي حياة الناس بشكل مباشر.
القرار الأول، هو تحرير أسعار الوقود، ومن المتوقع زيادة السعر بين 15 و20%، وسط توقعات باستثناء السولار واسطوانات البوتاجاز المنزلية.. هذا القرار المحتوم سيؤدي بالطبع إلى عودة التضخم للارتفاع مجدداً بعد شهور من الانخفاض، ومن المتوقع أن يصل التضخم الذي يعلن في 12 أكتوبر، بمعدل 2 أو 3 نقاط ليصل إلى ما بين 14 و15% على أساس سنوي.
القرار الثاني، هو اجتماع لجنة السياسة النقدية للنظر في سعر الفائدة، وسط توقعات (8 من بين 12 محللاً) باستمرار الخفض 100 أو 200 نقطة أساس للمرة الرابعة خلال العام الجاري (في المرات الثلاث تم الخفض بإجمالي 525 نقطة)، وهو ما يتوافق مع انخفاض معدل التضخم، واستقرار سعر الصرف وتعافي الجنيه.
لكن، ربما يخالف البنك المركزي التوقعات ويثبت الفائدة حتى يمنح الاقتصاد فرصة لاستيعاب التضخم الذي يتوقع ارتفاعه بعد رفع سعر الوقود، وحتى لا يضطر إلى رفع الفائدة مجدداً لكبح التضخم، وهي نظرية أثبتت فشلها منذ 2016، فالفائدة في مصر أصبحت الأعلى في المنطقة، ومع ذلك وصل التضخم إلى أعلى مستوى في مارس 2022، ولم ينخفض إلا مؤخراً بسبب التدفقات الدولارية فقط، وليس بسبب رفع الفائدة التي لا تزال مرتفعة جداً بشكل يشل حركة العمل والإنتاج.
يحدث هذا لأن كل جهة في الحكومة تعمل منفردة، فالبنك المركزي يخفض الفائدة بعد تراجع التضخم، فتفاجئه الحكومة برفع سعر أي سلعة استراتيجية مثل الوقود، فيعود التضخم للارتفاع، فيضطر لرفع الفائدة، فيحدث الركود الذي نشعر به فعلاً في سوق العقارات والسيارات والذهب، وبدرجات أقل في سلع أخرى.
القرار الثالث، والأصعب هو أن يؤجل صندوق النقد الدولي المراجعة الخامسة (المؤجلة أصلاً) والسادسة لاتفاق القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار، إلى نهاية الربع الأخير من العام.. ببساطة لأن الحكومة لم تنفذ أي من شروط الصندوق (باستثناء تحرير أسعار الوقود) التي أجل بسببها المراجعة الخامسة، وفي مقدمتها خروج الحكومة من الاقتصاد.
ويفترض أن نحصل بعد المراجعة على نحو 2.7 مليار دولار، في حالة رضا الصندوق عن الإجراءات، وهو ما لا أتوقعه لأن الحكومة لم تتخذ أي خطوة للخروج من الاقتصاد، أو حتى من شركة واحدة، رغم أنها تعرف موعد المراجعة وموعد وصول بعثة الصندوق للقاهرة، ووصلت البعثة فعلا أمس الأربعاء.
وكما ذكرت في منشور سابق، لا أظن أن الحكومة ستخرج من الاقتصاد، لأنها لا تريد التوقف عن الربح من التجارة وبيع العقارات ولبن الأطفال رغم أنها تتبنى اقتصاد السوق الحرة.
الحكومة لا تفعل شيئاً في ملف الشركات التي يجب بيعها، سوى عقد مئات الاجتماعات، وتشكيل عشرات اللجان، وإصدار عشرات البيانات عن بدء الحصر أو انتهاء الحصر، واختيار البنوك وتعيين المستشارين وتأسيس الصناديق، ولا شيء يحدث على الأرض، فطوال 3 سنوات كاملة لم تحقق الحكومة سوى 48% من مستهدفها في طرح الشركات، إذ باعت حصصاً في 19 شركة فقط من خلال البيع المباشر أو الطروحات العامة الأولية، جمعت منها 5.9 مليار دولار فقط، مع استبعاد صفقة “رأس الحكمة” باعتبارها لا تتعلق بشركة حكومية وإنما مجرد قطعة أرض، وكل مرحلة من مراحل الطرح كانت أقل من المرحلة السابقة، أي أن معدل التنفيذ يتراجع، وكأن الحكومة تندم، وبينما تتقدم خطوة تتراجع اثنتين (للتوضيح: المرحلة الأولى من الطروحات شملت التخارج من 6 شركات، بقيمة 3.1 مليار، والثانية تخارج من 7 شركات بقيمة 1.9 مليار، وفي الثالثة انخفضت الحصيلة إلى 625 مليون دولار فقط، وحققت في المرحلة الرابعة 142 مليون بصعوبة، وتمثل المراحل الأربع 12.5% فقط من إجمالي المستهدف الذي كان يبلغ 5 مليارات دولار.. أي أنها مجرد تصريحات كاذبة دون تنفيذ).
الحكومة تملك 561 شركة بحصص مختلفة، كما أوضحت في منشور آخر الأسبوع الماضي، ولا أعرف لماذا تتمسك بهذه الملكية وتماطل في “مطلب واضح” للصندوق كإجراء ضروري إذا كانت تريد بالفعل إصلاح الاقتصاد الذي “مسحت بيه البلاط” بسبب سياساتها؟ ورغم أن الحل الوحيد لإصلاح الاقتصاد هو أن تبتعد الحكومة عنه.
لماذا تمتلك الحكومة 44 شركة عقارات؟ هل أصبحت الدولة تاجر أو سمسار أراضي؟ لماذا تتمسك إلى هذه الدرجة بطرح آلاف الشقق شهرياً في إعلانات سخيفة مرة للداخل ومرة للمغتربين حتى حولت جميع السماسرة والبوابين الذين أصبحوا “لا مؤاخذة بروكرز” إلى كلاب مسعورة تلهث وراء قصاصة الورق الخارجة من صندوق القرعة وتشتريها بـ “أوفر” بات حقيراً؟
مهمة الحكومة ليست تجارة الأراضي أو التسابق في إعلانات الشقق، وإنما ينتهي دورها عند توصيل المرافق إلى الأراضي لمن يبنيها، سواء أفراد يريدون 4 حيطان، أو شركات مقاولات تبيع للناس مع إلزامها بشروط معينة تضمن حقوق العملاء، ولا تتركهم فريسة لطلعت مصطفى أو غيره من الشركات التي تبيع الشقة ألف مرة.
ولماذا تستمر في مجال العقارات رغم أنها فاشلة فيه فعلاً، وماذا تنتظر بعد دعوة أحد أبرز مفكريها الاقتصاديين هو الدكتور محمود محيي الدين، للخروج من قطاع العقارات؟
دور الحكومة الوحيد هو الخدمات العامة من مدارس ومستشفيات ومحاكم ومراكز شرطة، وصناعة وبيع السلع الاستراتيجية التي لا يقبل عليها القطاع الخاص بسبب قلة أرباحها، لكن ليس من مهامها أن يكون لديها مصنع بسكويت (بسكو مصر)، أو خدمات اتصالات (وي) أو مواسير مياه (الشريف للبلاستيك) أو كريم شعر (مصر للمستحضرات الطبية)، وغيرها من السلع التي يجب تشجيع القطاع الخاص على التنافس فيها لصالح المستهلك في النهاية جودة وسعراً.