لا يمكن لي أو لغيري أن يفصل الصلة الوُثقى بين المشتغل بالدين وبين المشتغل بالسياسة والحُكم ، أي بين الفقيه والسلطان ، أو الشيخ والحاكم ، إذْ كلٌّ منهما يدعم الآخر ، ويُمرِّر أو يترك أو يُغمِض العينين أو يُفوِّت ما يرغب ويريد ويهوى ، وهذا أمرٌ موجودٌ منذ أزمنة الخلافة وحتى يومنا هذا .
وسيموت المرء من دون أن يرى شيخًا يُوجِّه ، أو عالمًا يُفسِّر ، أو فقيهًا يُؤوِّل ، وهو لا يضع في ذهنه أن حاكمًا ما ينتظر ماذا سيقول أو يُفتي ، وهو التحالف المضاد للدين والإنسانية وعلم السياسة بشكلٍ عام .
ويتحيَّن المشتغل بالدين الفرصة إذا لاحظ تراخيًا من السلطة السياسية إزاء المجتمع ، فيبدأ الصيد في أي ماءٍ سواء أكان عكرًا أم رائقًا ، فارضًا شُروطه ، مُلقيًا ظلاله ، مُسيطرًا على الأمور الصغيرة والتفاصيل الدقيقة ، ليس بهدف الحد من التدهور أو خشية الانهيار ، بل بهدف سرقة السلطة ، وتحويلها إليه ، حتى لو استمرت خمسمائة عام كما قال مرشد الإخوان محمد بديع ، حين حكم الإخوان مصر مدة عام ، وهي الجُملة التي طالما ردَّدها قبله خلفاء الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، فقد حكمت الدولة الأموية من سنة 41 وحتى 132 هجرية أي 662 – 750 ميلادية ولمَّا سقطت ، أسست دولتها في الأندلس بدءا من سنة 138 هجرية – 755 ميلادية على يد عبد الرحمن الداخل ، واستمرت حتى 422هـجرية – 1031ميلادية.
وفي ظل سيطرة المشتغل بالدين ، وتراخي مفاصل الدولة التي من المفترض أنها تحكم ( بالقانون والدستور ) ، وتديين القضاء ، وتسييس الدين ، صار جدار المُواطنة هشًّا ضعيفًا ، وينهار جزءٌ منه كلما طلعت شمسٌ ، إذ ما زال هناك تمييزٌ بين فئات الشعب المصري على مستويات عديدة كلنا يعرفها ، بل يحفظها كأنها ” كتاب مقدَّس ” ، لا يمكن نسيانه .
فالمساواة التي ينادي بها الواقف على منبر المسجد غائبة أو مهتزة ، وهو نفسه من يؤجج الطائفية ، ويحث على الفرقة ، وينبذ تلك المساواة ، أي أنه ينادي بها ويلغيها في الوقت نفسه ، لأنه في حقيقة الأمر هو ابن جماعةٍ دينيةٍ مسيَّسة ، يحلم بدولة لا علاقة لها بالدولة الأم التي يعيش فيها ، من دون جغرافيا أو حدود ، من الممكن أن يسميها إمارة ، أو دولة داخل ( مشروع الخلافة ) ، أو على أقل تقدير أن يكون هناك دولة داخل الدولة وهذا ما ” نجح ” فيه الإخوان والسلفيون خلال العقود الثلاثة الماضية ، أي إقامة ” وطن مسلم بديل ” في مواجهة ” الدولة الكافرة ” ، كما أسَّس لهذه الأفكار من قبل سيد قطب نقلا عن شيخه الهندي أبي الأعلى المودودي ( 1321 هـجرية – 1903 ميلادية = 1399 هجرية – 1979 ميلادية ).