كثير من الناس يفهمون هذا القول على غير وجهه، ويفسرونه على أن كل ذي عاهة جبار في سلوكه ، شرس ، مجرم ذو جبروت ، ويدعون أن هذا القول حديث للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ
وحاشاه أن يقول ذلك وأفاضل أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ بينهم من هو أعرج كعمرو بن الجموح ـ رضي الله عنه ـ الذي
قال عنه ـ صلى الله عليه وسلم : “… فإنَّ منهُم من لو أقسمَ على اللَّهِ لأبرَّهُ ، منهُم عمرو بنُ الجموحِ يخوضُ في الجنَّةِ بعَرجتِهِ”
كما كان بينهم من هو أعمى كعبدالله بن أم مكتوم الذي أوكل إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مهمة شاقة على ذي البصر والبصيرة ، فجعل أذانه ميقاتا زمنيا يبدأ به يوم الصيام ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ” إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ”
كما أنه هو من عاتب فيه ربنا ـ عز وجل ـ نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قرآن يتلى ويتعبد به .
والحق أن مقولة “كل ذي عاهة جبار” مثل شائع ، لا يقصد به ما تبادر إلى ذهن العامة ، بل القصد أن من كان هذا حاله فهو يحاول أن يعوض هذا عن طريق محاولة التفوق في أمور أخرى .
ويعجبني في هذا المعنى قول الأستاذة الكبيرة آمال طه :
والنَّقْصُ في النَّفْسِ سِرٌّ في تَجَبُّرِها
وكُـلُّ ذِي عـاهـةٍ فـي النـاس جَـبّـارُ
والواقع أن الإعاقة ، أو العاهة لا تقف أمام التفوق ، ولا تمنح صاحبها الجبروت ، بل إن الإنسان إذا حُرِم شيئًا سعى إلى تعويضه بشيء آخر ، مما يجعله يضاعف طموحه وإصراره وإرادته ، فيكون جبارا فعلا تجبرا إيجابيا ، فنجد الذي بلا ذراعين رساما عظيما ، والذي بلا قدمين عَدَّاءً متميزًا ، وفاقد البصر يخترع طريقة للكتابة والقراءة تخدم الأكِفَّاء .
وبعد :
فإنه قد يكون الشخص سليما سويا ، ثم يعرض له ما يسبب له عاهة فيجعل ذلك منه إنسانا فَظًّا جبارًا ناقما على كل من حوله .
ولكن هناك من يصاب بمثل هذا فيتكيف مع وضعه ويقضي حياته في سلام ، ويكون جبارًا في إصراره وعزيمته .
ومن الخطأ أن نطلق هذه الكلمة على شخص له ظروفه الخاصة قاصدين ذَمَّه .
ونتذكر أن الله ـ تعالى ـ هو “الجبار” ـ بالألف واللام ـ