في عصر الصورة ينبغي أن يتحول خطابنا الشعري إلى خطاب الصورة قبل خطاب النبرة، فالشاعر القديم لم يعد موجوداً بشحمه ولحمه وعظمه، وصوته إلى جمهوره صار غائباً في عالمنا الافتراضوي، لذلك فمن ضرورات العصر الشعرية أن يقدم الاعتبار لوظيفة البصر المغيبة منذ عصر الشفاهية لدى التلقي الإبداعي.
ووفق هذا المنظور حاولت تقديم تجربة القصيدة البصرية في عدة أنماط كانت البطولة فيها لتشكيل معنى الشعر، وولدت التجربة مجموعة قصائد تنتمي إلى جنس القصيدة البصر مقدماً على الأذن فالشاعر عليه أن يقتحم المجاهيل ويشق طرقاً وعرة، بكراً كانت إم مطروقة على استحياء.
وتأتي قصيدة “هي الشجرة هذا النهر” محاولة في هذا الاتجاه لتمثل إحدى تجاربي الشعرية التي عملت عليها في الثمانينات من القرن المنصرم، ونشرت بعضها في دورية “شؤون أدبية” الفصلية الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الامارات، في إطار أن اختلاف وتطور أساليب ووسائل الاتصال، في عصر الكتابة، أعاد للنقش حياته، ولم تعد القصيدة تتداول عبر السماع والحفظ فقط، بل صارت محفورة ومكتوبة.
وبدخول التعبير مرحلة الكتابة، صار المتلقي يتعامل مع صورة ناطقة بالألوان والمساحات والفراغات والهوامش حتى وإن أمسك في يده الديوان مطبوعاً، فيما القول حين يطالع القصيدة يأتي مستتراً همساً في الخاطر، لذلك فإن البطولة في الشعر المعاصر هي للشكل، والتأثير للشكل كبير في عملية التلقي الشعري.
وفي قصيدتي البصرية تلك بعنوانها “هي الشجرة… هذا النهر” والتي نُشرت بتاريخ “15/4/1987” تحاول القصيدة أن تعطي المتلقي الانطباع بشعريتها الشكلانية قبل شعريتها القولية، إذ يتناسق الشكل مع الحروف، ليقود المتلقي إلى المبتغى التعبيري، فضلاً عن الحرص الشعري على وحدة التفعيلة، والإيقاع النغمي للنص الشعري، لتكون التجربة ولادة صحيحة لتطور النوع الشعري، وليست مغامرة نثرية، كما قد يظن البعض.
في هذه “القصيدة البصرية” التي أعاد فريق “فيسبوك” تذكيري بها دلالات شكلية مفتوحة للكلمات والتراكيب والايقاعات، والإيحاءات لا حدود لعوالمها، بمقاربات من الهواجس والقناعات التعبيرية الصوفية.
وبالتأكيد في زمن كتابة هذه التجربة التي ضمت قرابة العشرين قصيدة، لم أكن أشفع النشر بالشرح، وتركت ذلك لثقافة التلقي في تلك السنوات، وقد لقيت التجربة استحسانا من البعض وواجهت هجوماً من بعض الذين تقولبوا في مفاهيم سائدة عن الشعرية التقليدية مثل ضرورة وجود الشطرين والقافية، والشكل التقليدي للقصيدة.
وبإعادة نشر هذه التجارب مرة أخرى أحاول إعادة فتح الآفاق التعبيرية أمام الشعر والشعراء، لشعوري النقدي أن آفاق القصيدة العربية، صارت مغلقة… ودمتم جميعاً.