منوعات

نصر القفاص يكتب : كبير العائلة!!

أخذ مؤسس “الجمهورية الثانية” طريق الأوهام.. راح يطارد سراب “الرخاء والرفاهية” اللذان ظل يبشر بهما بمجرد توقف آلة الحرب..

رسم ثلاثة مسارات على التوازى.. مسارا سياسيا جعل “الديمقراطية” عنوانه.. رغم أنها “ديمقراطية لها أنياب” وهو العنوان الذى فتح كل الطرق أمام “الفساد والإخوان” مقابل تنفيذ خطة تشويه “الجمهورية الأولى” وتوزيع “خرافات” بألوان الطيف ضد زعيمها وقائدها..

ثم كان المسار الثانى, وهو اجتماعى بضرب الطبقة الوسطى لحساب ما كانت تصفه الصحف بالطبقة الطفيلية.. وترتب على ذلك اتساع قاعدة الفقر, لتظهر العشوائيات التى استثمرت فيها “جماعة الإخوان والجماعات المفقوسة عنها” ببراعة.. والمسار الثالث كان اقتصاديا, قام على تخريب الزراعة وتفكيك القطاع العام تمهيدا لهدمه تماما.. صدر قانون رقم (111) لسنة 1975.. الذى “بصم” عليه البرلمان, بشأن ما أسموه إعادة تنظيم القطاع العام.. تم إلغاء المؤسسات العامة, التى كانت تدير خطط عجلة الإنتاج.. أفسح ذلك الطريق لرجال المال أملا فى أن يمارسوا “عادة الاستثمار السرية”!! وظهر ذلك فى جرائم “هضبة الأهرام” و”مؤسسة السينما” وكذلك “هضبة بولاق” التى أصبحنا نطلق عليها “مثلث ماسبيرو” بامتداداته المذهلة عندما تتكشف الحقائق!!

صدر بعد ذلك قانون النقد الأجنبى رقم “(97) لسنة 1976, الذى “بصم” عليه البرلمان.. وهو القانون الذى ضرب رقابة مصرفية عرفتها مصر منذ 1947 وكانت تطبقها بصرامة.. سمح القانون الجديد لأى شخص بتدبير النقد الأجنبى بطريقته, مع إعطائه الحق فى الاحتفاظ به كما يرى..

هنا فقد “البنك المركزى” سلطته وقدرته على مراقبة البنوك الأجنبية التى أخذت فى التكاثر.. أضاف ذلك فاعلية للقانون رقم (43) لسنة 1974, وكان البرلمان قد “بصم” عليه.. ليأذن لرأس المال الأجنبى بالزحف على الاقتصاد المصرى عبر وكلاء الشركات متعددة الجنسيات القادمة من خلف المحيط ووراء البحر المتوسط.. ومن هنا عادت “التبعية” للغرب فى غفلة من الشعب الذى خدعته “أوهام الرخاء والرفاهية”.. وأمام عجز كل من حاول التصدى لتلك الكوارث.. سمح ذلك بتفعيل القانون رقم (118) لسنة 1975, بشأن التصدير والاستيراد, والذى نسف دور الدولة فى التجارة الخارجية وسلم الملف للمغامرين الجدد!!

أصاب الذهول الدكتور “على الجريتلى” وكان قد شغل منصب وزير المالية فى بدايات “الجمهورية الأولى”.. وهو القائل عن الاقتصاد المصرى قبل “ثورة 23 يوليو” أنه كان كما “بقرة يتم حلبها فى بريطانيا“!! ورغم أن الرجل معروف بين علماء الاقتصاد أنه أبرز مفكرى الاقتصاد الليبرالى..

لكن ما يحدث جعله يصرخ ليقول: “إن التوسع فى منح مزايا للقطاعين الأجنبى والخاص.. يؤدى إلى زيادة أرباح المشتغلين بالتصدير والاستيراد, والمقاولات وعمولات السمسرة.. فى ظل عجز جهاز الضرائب سيؤدى إلى نتائج تضرب الاقتصاد فى مقتل”!! وهو الأمر الذى تحقق بتزايد الاقتراض الخارجى.. وكل هذا كان يمثل استنزاف لقدرات مصر الاقتصادية.. يوازيه تفكك اجتماعى.. ويأخذ البلاد إلى حالة ضعف سياسى, يتم تجاوزه عبر “أراجوزات التنوير” التى تبشر بقدرات “رجل الحرب والسلام” والرئيس الذى أطلق طائر “ديمقراطية لها أنياب” وحقق الحرية للبرلمان “يبصم” بشكل ميكانيكى.. وخلص البلاد من الحزب الواحد – الاتحاد الاشتراكى – إلى آخر قائمة “الخرافات” التى تولاها الذين قبضوا ثمن المشاركة فى حملات تشويه “عبد الناصر وزمنه” لكى يبشروا بأهمية السلام!!

وجد “أنور السادات” أن النتيجة صفر.. فهو خسر قاعدة صناعية وزراعية, ولم يجد من “المغامرين” الذين علق عليهم آماله غير الدعم المعنوى.. وفى الخلفية كانت إسرائيل تنصب له “بيت العنكبوت” لكى يذهب إليها عارضا مبادرته, التى جعلوها “حدث القرن” ومنحوه عنها “جائزة نوبل” مع “مناحم بيجن”..

أما الشعب المصرى فيجب إشغاله بالحملات على “الجمهورية الأولى” التى زعموا أنها مسئولة عما صنعه “مؤسس الجمهورية الأولى” والمدهش أن تستمر الاسطوانة المشروخة فى الدوران حتى العام 2022.. فقد جرؤ رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” أن يقف عارضا جهلا بالتاريخ, وتزييفا للحقائق والوقائع لكى يقول أن “زمن الملكية” كان أفضل مما جاء بعده.. يحدث ذلك ليحقق أهداف “الفساد والإخوان” ويجعل الرأى العام فى حيرة من أمره.. بدا أن الأمر انتقل إلى مربع آخر.. فما حدث يمهد لإعادة عقارب الساعة إلى “زمن دولة الرئيس” عند مخاطبة رئيس الوزراء, ومناداة “معالى الوزير” حين مخاطبة أحد وزراء الحكومة.. ليتبقى فقط إعادة “جلالته” للحكم بعد تعميم منهج “التوريث” بأن أصبح البرلمان يضم أبناء الطبقة التى تكونت فى ظل “انفتاح السداح مداح” ورعاية رئيس فشل فى أن يحكم ابنه من بعده!!

شارك الذين تاجروا فى “الناصرية” بتنفيذ ما أراده الغرب!!

ظهر على جلد المجتمع “سماسرة” يدعون أنهم “ناصريون” يدافعون عن الفقراء فى “الفنادق” وعبر الصحف وقنوات التليفزيون.. إنخرط بعضهم فى “دكاكين حقوق الإنسان” التى ترفل فى نعيم التمويل الأجنبى.. راح بعضهم يقاتل البعض الآخر.. وكل طرف يبحث لنفسه عن نصيب من “الكعكة” بينما انكفأ “الذين عبروا” على أنفسهم يمضغون مرارة ما يحدث.. تحقق هتاف الفلاحين حين قالوا: “يا جمال يا عود الفل.. من بعدك هنشوف الذل”.. ومعهم الذين كانوا يصرخون: “عبد الناصر ياما قال.. خلوا بالكو من العمال”.. ودفع الطلاب الثمن فادحا بتخريب التعليم.. أما “المثقفين” فقد جعلوهم “كائنات منقرضة” بعد تقديم “أشباه المثقفين” عليهم.. ثم وصلنا إلى مرحلة تعيين “المفكر” عبر “القوى العاملة” بتصديق أمنى!!

إيقاع “أنور السادات” اللاهث.. وقفزاته للأمام أربكت الجميع!!

منهج “الخداع الاستراتيجى” جعل “رجال الجمهورية الثانية” يقلبون ساحات السياسة إلى “حفلات زار” ينخرط فيها أتباع “الطريقة الساداتية” لطرد روح “الناصرية” من جسد المجتمع.. كانت إسرائيل تحتفل بنتائج “حرب اكتوبر” بالذهاب إلى “غزو لبنان” وضرب “المفاعل النووى العراقى”.. والتغلغل فى إفريقيا.. ثم تسللت إلى “الأسر الحاكمة” فى عدد من الدول العربية.. ليصل الأمر إلى التفاخر بصداقة مع “إسرائيل” وذلك جعل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب, يتركون لها المنطقة.. ثم تفرغوا لاحتواء “روسيا” و”الصين” اللتان أدركتا مبكرا ما يحدث.. جهزتا نفسيهما للمواجهة, لنجد أنفسنا نزعم بأن أزمة مصر سببها “عملية عسكرية روسية” فى “اوكرانيا” وندعى أننا ضحايا مواجهة “بكين” مع “واشنطن” فى صراعهما على “تايوان” إضافة إلى غيرها من ملفات لا يتجاوز دورنا فيها تلقى العزاء!!

إنتهى “زمن العزة والكرامة” وأصبحنا أسرى مساعدات الغرب والخليج!!

كانت المصانع العملاقة فى مصر, تتعرض للتخريب مع “سبق الإصرار والترصد”.. ليتباطأ عمل مصانع “الغزل والنسيج” فى المحلة الكبرى وكفر الدوار والإسكندرية وشبين الكوم.. تكاد عجلات إنتاج مصانع “كيما” فى أسوان أن تتوقف, بعد تخفيض طاقة إنتاجها إلى 25 بالمائة, كذلك الأمر مع “الحديد والصلب” ووصل الأمر إلى أن تتوقف 9 من 12 مولدا للكهرباء فى السد العالى.. لتعمل ثلاثة مولدات فقط.. تدخل على شركة “إيديال” شركة فرنسية تستحوذ على أكثر من نصفها, بعد حريق ضخم التهم قدراتها.. تنخفض زراعة القطن والقمح والأرز.. يتزايد عجز الميزان التجارى, لأن “رجال المال” العرب والمصريين يتربحون من الخدمات وقطاعات الصرافة والأنشطة السياحية.. تعلن دول الخليج أنها قدمت مساعدات لمصر بلغت 13,4 مليار دولار ما بعد انتهاء “حرب اكتوبر” وحتى عام 1977 حين أعلن “السادات” مبادرته للسلام!!

الملايين من المصريين يتركون البلاد.. هربا من اليأس!!

تفتح دول الخليج أذرعها.. يتجه عشرات الآلاف إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. يتم فتح “مزاد بيع القطاع العام” فى السر وعلى استحياء.. تزدحم الصحف بمساحات تتناول وقائع فساد.. لا يجد “السادات” غير سلاح الاستفتاء على قوانين تحمى ما يسميه “السلام الاجتماعى” و”الوحدة الوطنية” فى الوقت نفسه..

يطلب “مناحم بيجن” دراسة عن الاقتصاد الإسرائيلى.. يعكف عليها “اليعازر سيفر” نائب محافظ البنك المركزى الإسرائيلى فى صيف عام 1977.. تنتهى إلى أن إنفاق إسرائيل العسكرى تضاعف 25 مرة خلال الفترة من عام 1950 وحتى 1977.. وترى أن سلاما مع مصر سينعش الاقتصاد الإسرائيلى, ويوفر مليار دولار يتم إنفاقها على التسليح.. ويسمح بتطور الصناعة الإسرائيلية لتأخذ حيزا من الأسواق العالمية.. وتقول أن “تل أبيب” يمكن أن تأخذ مكان “بيروت”..

يجتهد فى الوقت نفسه الدكتور “لطفى عبد العظيم” رئيس تحرير “الأهرام الاقتصادى” دون طلب من أحد.. يقوم بإعداد دراسة تغوص فى أعماق ما حدث للاقتصاد المصرى.. ينتهى إلى التحذير من الإفراط فى القروض, ويطالب بوضع ضوابط تقلل من خطر الاستهلاك.. ويقول بوضوح: “يجب إعادة النظر فى قانون رأس المال العربى والأجنبى, لمنع تغلغل رأس المال العربى والإسرائيلى فى المجالات التى تضر الشعب المصرى.. ويشير إلى ضرورة إعادة النظر فى التسهيلات التى يستفيد منها المتهافتين على التجارة والخدمات والعقارات.. مع الترحيب بالاستثمار الصناعى والزراعى”!!

يتعرض الدكتور “لطفى عبد العظيم” لحملات تشويه.. يتم إبعاده عن موقعه!!

كانت مجلة “الأهرام الاقتصادى” تنشر حملة عنوانها “وصف مصر بالأمريكانى” دفع الذين قاموا عليها الثمن.. كان يتصدرهم “نبيل عبد الفتاح” و”موسى جندى” و”مصطفى إمام” و”جمال زايدة” إضافة إلى “أنس مصطفى كامل” الذى اتجه للعمل الدبلوماسى, وحقق نجاحات كبيرة.. ثم سقط بأزمة قلبية فى “بيروت” وقت أن كان يشغل منصب “القنصل العام”.. بينما تقاضى الثمن الذين يطلقون على أنفسهم “خبراء الاستراتيجية” بذهابهم طوعا لخدمة المشروع الأمريكى.. وبعد أن اشتركوا فى “طبخة توريث” ابن الرئيس الثانى للجمهورية الثانية.. ولم يكن مدهشا أن نرى بعضهم يختبئ عند هبوب عواصف “25 يناير” ليعودوا للواجهة بعد عاصفة “30 يونيو” لكى يفاخروا بأنهم “أئمة التطبيع” ويجدون رعاية رسمية, بقدر ما يلقاها “رموز الإقطاع العقارى” فى “زمن محاكاة دبى” المدهش!!

أعلن “السادات” نفسه كبيرا للعائلة المصرية.. تحدث للتليفزيون خلال حوار مع “همت مصطفى” فقال: “يشكل شعبى عائلة واحدة.. العائلة المصرية.. أنا فخور بأن أكون قائده.. لا يهمنى أن أكون رئيسا للجمهورية أو زعيما لحزب.. بل ربا للعائلة المصرية”.. ومنذ ذلك الوقت – 25 ديسمبر 1978 – أصبح “كبير العائلة” واحدا من صفاته.. ويوم 30 مارس 1981.. قبل رحيله بشهور.. قال للصحفيين: “لا تصدقوا كل ما يروى من صراع بين السلطة والصحافة.. لم يحدث صراع, لسبب بسيط تعرفونه.. كيف يمكن أن يقع خلاف بين رب العائلة وأحد أبنائه.. بينى وبين أحد أولادى”!!

جعل “السادات” الصحافة أحد أبنائه.. وجعل “البرلمان” أحد أبنائه.. كما جعل الجيش كله أولاده.. وجعل “القضاء” أحد أبنائه.. أما “الحكومة” فهى الابن البكر.. وكرر جملة “كلهم اولادى” – يقصد كل هذه السلطات – أكثر من مرة.. إنشغل فى شهور حكمه الأخيرة, بما تنشره عنه الصحف الغربية بأنه أصبح “واحد من أكثر عشر رؤساء شياكة فى العالم”.. وعلى نهجه إنشغل بالأمر نفسه كل من حكموا بعده.. أصبح يحب أن يظهر أحيانا بجلباب فلاحى.. وانشغل الذين خلفوه بالملابس الرياضية.. إهتم بالصورة فسمح للفنان “فاروق إبراهيم” بنشر صورة له يحلق لحيته بملابس داخلية!! واهتم بطائرته الخاصة وقصور الرئاسة.. بل وصل الأمر إلى حد أن “إلياهو بن اليسار” السفير الإسرائيلى فيما بعد فى القاهرة.. قال فى مذكراته أنه شاهده يشير إلى أحد مساعديه, فإذا به يقدم له علبة جلدية فيها غليون لكى يدخن “البايب”.. ولن أتورط فى الإشارة إلى آخر رؤساء هذه الجمهورية الثانية وما فعله!!

أصل الحكاية أن “ماكينات الكذب والتزوير” التى تعمل على شيطنة “عبد الناصر” منذ ظهر كقائد وزعيم للجمهورية الأولى.. هى نفسها التى تروج صورا لامعة للذين حكموا “الجمهورية الثانية” وإن كانت قد انشغلت مؤخرا برموز المرحلة “بن سلمان.. بن زايد.. تميم”.. لأنهم خلعوا النقاب!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى