منوعات

رأفت السويركى يكتب : حكاية «البعر والبعير»!!

فليفرح الإنسان على الأرض لأنه يَلْقَى الآن ما سعى إليه؛ إذ صارت في حوزتنا الصور الأولى الملونة لـ “عُمْق الكون”؛ والتي التقطها بدقة ” تلسكوب جيمس ويب” الأميركي المخصص لاستكشاف مواقع “أبعد من أية نقطة كانت البشرية قادرة على النظر إليها من قبل”.

وهذه الصور الفريدة التي نشرتها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا“: “تُظهر عنقوداً من المجرات التي تشكلت بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم قبل أكثر من 13 مليار سنة؛ بما يقدم “لُمحة هي الأكثر تفصيلًا على الإطلاق للكون في طوره الأول”.

وبذلك تثمر جهود الكشف عن خبايا بدايات الكون عبر “سديمين من سحابتين من الغاز والغبار الفضائي”؛ أولهما “على بعد 7600 سنة ضوئية ويجسّد تشكّل النجوم، ويضم تكتلات كبيرة منها ويتخطى حجمه أضعاف حجم الشمس. وكلا المجموعتين من الأجرام تبينان دورة حياة النجوم، فضلاً عن كوكب يدور في فلك نجم غير شمسنا، وآلاف المجرات المتراصة التي تضم في قلبها آلاف الهياكل “التي لم تُرَ سابقاُ البتة”، بما يتيح لنا الكشف عن أجسام كونية بعيدة جداً تقع خلفها في الكون الممتد “لمعرفة – في القريب – هذه المجرات وأعمارها وتاريخها وتركيبها”.

ناسا تؤكد أن “كل صورة هي اكتشاف جديد”، وكل لقطة “ستمنح البشرية رؤية للكون كما لم نشاهده من قبل”… بما يُكرّس بداية حُقبة جديدة في “علم الفلك”، ونحن نسعى لاستكشاف العصور المبكرة للكون؛ بما توصل إليه العقل البشري من أساسات ترى إلى أن “الغوص في الفضاء يُوازي العودة في الزمن إلى الوراء، فالضوء المرصود قد سَافَرَ لمليارات السنين قبل أن يصل إلينا”. وعبر استهداف دراسة الغلاف الجوي الخاص بها يمكن تحديد ” ما إذا كان من الممكن تحول بعضها إلى عوالم مواتية لتطور الحياة”.

والسؤال الراهن الذي تثيره حالة الهوس ورد الفعل التي يبدو عليها في عالمنا طائفة المتأسلمين من أصحاب اللّحى الشعثاء الغبراء؛ التي تكنس وتمسح الوعي من عقول المتلقين بما يتقيأونه من عبارات “زمان الكهف”؛

هو: ماذا تقولون يا من تسمون أنفسكم “العُلماء” وتحتكرون التسمية حول هذا المنجز الهائل؟
ستنتفخ أوداجهم وتهتز لحاهم وكروشهم المنبعجة؛ ويقولون لك: هذا يكفينا دليلا ً للرد على مُنكري الألوهية والملحدين والمنكرين والعلمانيين؛ وكلهم كافرون بالله ورسالات السماء!!

ولا يدرك هؤلاء “الدعاة” مع التحفظ تجاه التسمية مدى وقوعهم في الفخ؛ فهم في الدعوة والحياة يصفون من يُغاير عقيدتهم من غير المتأسلمين ولا يندرج في قطعانهم بالكافرين؛ ومع ذلك لا يقدمون هم حتى من العلوم العقدوية ما يناسب العصر لكي لا يشايعوا ما تقوم به أقوام الكافرين من منجزات.

إذ لا شاغل لأقوام ” اللحى الجرارة” من “قبيلة حدثنا” سوى تقنين فقه “اقتصادات أسواق العبيد والسبايا”؛ و”جواز مناكحة/ مضاجعة/ وطء الزوجة المتوفاة قبل دفنها” فيما أسموها “مضاجعة الوداع”؛ وكذلك مشروعية ” وجوبية إرضاع الكبير”؛ و”زواج فض غشاء الأبكار الصغيرات من الأطفال”؛ فضلاً عن الإصرار على “نفي كروية الأرض”؛ فهي كما يحفظون بالظاهر منبسطة ومثبتة بجبال كالأوتاد خشية أن تميد!!

والمثير للسخرية أن هذه النوعية تمارس كعادتهم ظاهرة اللصوصية الفكرانية؛ بالسطو على معارف وعوائد منجزات “العقل الآخر” الذي اعتبروه كافراً؛ وتأويلها بما يخدم هراءاتهم الفجة. واعتبارها دليلاً يثبت دعاواهم وما يقومون بترويجه… المتأخون زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في القرآن أنموذجاً”!!

ومن الأعاجيب أن أصحاب اللحى من أسرى ثقافة زمان “الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة”؛ ودعاة “الطبابة ببول الإبل” و”الحجامة” وما شابه من ظواهر هم لا يخجلون من أنفسهم بعجزهم المطلق عن التفكر ليكونوا خير الدعاة بالانفتاح على العصر؛ لذلك يواصلون تكفير كل خلق الله عدا قطعانهم؛ ويشككون في أخلاقيات وجهود الآخر الذي حتى وإن لم ينتمِ لعقيدتهم؛ ولم يمارس شكليات التعبد التي يحصرون العقيدة فيها فقد مارس جوهر العقيدة الإلهية؛ بالاستجابة للتكليف الربوبي للخلق – كل الخلق – بالتفكر والتأمل والبحث في أقطار السموات والأرض؛ لكي يفيض عليهم بالهُدى والكشف، ليعرفوا طالما أرادوا ذلك؛ وسعوا إليه في المعامل والمختبرات والمصانع والجامعات ومراكز البحث والدراسات. وليس ما تنثره البعران خلف خطواتها!!

إن من بجاحة “قبيلة أهل اللحى” ما نراه من الاعتماد على المنجز الفكراني لمن يسمونهم الكفار إيهاماً لأنفسهم بسلامة مواقفهم العقداوية؛ واعتبار منجز الكفار العملاني دليلاً على صدق ما يمارسون الخطابة حوله.

والواقع أن هذه النوعية من التكفيريين الذين يبدون “بُرَءآء” كَذِبَاً في هرطقاتهم؛ يُروِّجون ما يُخادع الجمهور حول منجزات البشر باختلاف انتماءاتهم في التأمل والتفكر في فعل خلق أقطار السموات والأرض. وكنموذج تأتي تغريدة “حاتم الحويني” ابن “المتسلف الماضوي” التفكير “أبو اسحاق الحويني” لتعرية خطاب هذه الزُّمَر.
إذ ذكر في الفضاء الافتراضوي “تويتر” ما متنه: } 10 مليار دولار  تكلفة تليسكوب ليشاهدوا به النجوم والمجرات ولم يؤمنوا بعد!! وأعرابي سُئل عن دليل وجود الله، فقال: “البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير”.

أليست بعد ذلك من أدلة لإثبات تهافت منطق خطاب أهل اللحى؟ فالآخر الكافر كما يسمونه لا يبخل عن توجيه واستثمار الثروات للتفتيش في الكون بالتلسكوبات وكذلك المسابير المُسيَّرَة لتوظيف التحليلات الطيفية من التلسكوبات في تحديد التركيبات الكيمياءوية للأجسام البعيدة”.

ولكن من يوظفون فكر “نمط مماثلة” أهل الكهف الذين غابوا عن الحياة يواصلون التشبث بنسق تعبير “البعر والبعير والأثر والمسير” لاثبات وجود الله؛ بما استحفظوه ويجترونه بكل عواره وعدم تناسبه في غير زمانه؛ فيقعون في تناقض الاستمتاع بمنتجات التكنولوجيا الفائقة في الاتصال والتواصل؛ واستغلالها لتعميم الجهل والجهالة بالإصرار على الدعوة للمفاهيم المتخلفة.

منذ أشهر عديدة جمع أبناء آدم من الموصفين بالكفار بعض “رماد الشمس” بالمسبار وإحضاره إلى الأرض من أجل دراسته ومعرفة مكوناته؛ ولم يحترق مسبارهم على الرغم من الجحيم الهائل للشمس؛ ومنذ أيام توصل أيضاً أبناء آدم من الموصفين بالكفار إلى معرفة ماضي الكون بتلسكوب الطاقة؛ فيما أبناء آدم ممن يدعون احتكار الإيمان لا يزالون يتحاججون بعبارات “البعر والبعير”… وأسفاه!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى