منوعات

حجاج أدول يكتب : ذكريات من دفتر حرب أكتوبر

بناء على طلب عدد من الأصدقاء نستكمل.. أتذكر فيلمًا مصريًا عن طيار يحارب إسرائيل، واتصاب هو وطيارته بمدفع مضاد للطائرات، وفاكر نشيد يا مجاهد في سبيل الله جه اليوم اللي بتتمناه.

هل النشيد كان في نفس فيلم الطيار الذي أصيب؟ لا أتذكر! وكنا متحمسين كأطفال وكبار.

شباك التذاكر كان فتحة ضيقة ونحن في مصر لا نعرف الطوابير.. الشباك يفتح متأخرًا لا نعلم لماذا؟ والغريب أن كلنا أطفال، أمّال الكبار فين شباك تذاكرهم؟ وياترى كانوا بيدخلوا السينما من نفس الباب اللي احنا الأطفال بننحشر فيه؟ مش فاكر؛ ماهو الذاكرة ماشية بمزاجها مش بمزاج الحقائق. ماعلينا.. نتدافع ونتعارك. أقطع التذكرة بمجهود يبهدل أي بيجامة مكوية تحت المرتبة.

نقف شبه طابور مضطرين، فالذي تناول منا التذاكر بيده اليسرى عجوز شراني دائمًا معه خرزانة رفيعة مرفوعة لأعلى بيده اليمنى ويلَطّشْ بها لأتفه الأسباب..

يتناول التذكرة ويكعبلها يلقيها خلفه بعيدًا. بخلاف أنه عجوز شراني فهو أعور وعصبي؛ لذا ضرباته ليست دقيقة، فإن كنت تقف خلف أو أمام من يريد ضربه، فأنت وحظك، ربما تنال اللسوعات الخرزانية بدلًا من المقصود.

ولو كنت أنت المقصود، فكن متأكدًا أن الخيرزانة اللهلوبة ستلسوع من هو أمامك أو خلفك، إلا لو حضرتك شؤم لتنال على يافوخك ما قرره العجوز العصبي من عقاب.

وبما أننا كنا أطفالًا غشاشين لضرورة الفقر والشقاوة والغلاسة، وكنا نستمريء تلقي لسوعات الخزرانة الرفيعة ونبكي ونضحك معًا كجلمود صخر حطه السيل من على أو حسن، أو أي اسم مضروب منّا، تعلمنا مؤامرة ماكرة؛ ندعي أننا نوفر على العجوز قطع التذكرة في هذا الزحام الأزلي، فيقطعها الطفل منّا بنفسه وكأنه يعطيه الكعب وهو أساس الدخول، لكن لم نكن نعطيه الكعب بل الجانب الآخر.. وطبعًا العجوز الأعور في هذا الزحام وجلبة صياح الأطفال لا يرى هذه الخدعة. صاحب هذه الفعلة يأتي في الغد ويدخل نفس الفيلم بالكعب الصحيح.

عدد من الأطفال ضحكوا على العجوز الأعور بالطريقة دي وبعد أسابيع فهمها العجوز؛ فتربص وترقب وهو ناوي على شر. وحظي وحش كالعادة.. كنت أنا الذي وقع تحت غضبته التي تشبه غضبة أخيليوس في الإلياذة، تلك الغضبة التي كانت سببًا أساسيًا في تحول مجرى حرب طروادة الملحمية الدموية. وإليكم ما حدث: تعلمت من الأطفال هذه الحركة التي هي عملية نصب أطفال، لم أكن أنا من فكر فيها ونفذها أولًا، فأنا طفل نوبي والنوبيون في ذلك الوقت لم يكن قد ظهر فيهم النصاب والحرامي والكذاب والهجاص “فارق بين الكذاب والهجاص ليس هنا شرحه” والبلطجي ..إلخ، المهم..

قمت بهذه النصبة التي تعلمتها مرتين تلاتة، وكنت دخلت في يوم سابق بالجانب الخاطئ من التذكرة وبلعها العجوز الغشيم. اليوم التالي ذهبت بالكعب الصحيح،والله بالكعب الصحيح أكيد.. أحلف وقلبي مطمئن.

لم أذهب لشباك التذاكر ودخلت في زحام الدخول المعتاد. وصلت لباب الدخول الذي يقف عنده العتويل العنتيل العجوز العصبي الأعور،تناول العجوز كعب التذكرة الصحيح، نظر فيه وألقاه بعيدًا ونظر لي بعينه الوحيدة نظرة مرعبة، وشخر ونخر وشتمني بالإسكندراني قائلاً:
– يا ابن الـ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى