الشاعر نشأت المصري :
*عزة بدر بحثت عن القيمة فى رحلاتها وتميزت عن من سبقوها
*حسها الشعري وخبرتها الصحفية، مكنها من نقل المعلومات للقارئ بسلاسة وبعنواين خاطفة مثيرة
الدكتور سعيد المصري :
* المؤلفة صارعت هويات متعددة وطاردتها داخل النصوص وتطهرت وظهرت الهوية الروحانية في مكة
* المؤلف تحرر من قيود ثقافته ضرورة ليكتشف الآخر
الشاعر شرقاوى حافظ :
الكتاب مميز.. و الجزأين المتعلقين بإيطاليا واليونان هما الأغزر ثراءً أدبيًا
الأديب صالح شرف الدين :
ما يميز نصوص الكتاب الأربعة عشر هو عبقرية البدايات وروعة الخواتيم واستخدام الفعل المضارع حتى عند الحديث عن الماضي أعطى النصوص إحساسًا بالتجدد والاستمرار
كتبت – هايدى فاروق
في أمسية أدبية مميزة، احتفى اتحاد كتاب مصر، من خلال شعبة أدب الرحلة برئاسة الدكتورة عطيات أبو العينين، بكتاب الدكتورة عزة بدر، الشاعرة والأديبة والكاتبة الصحفية، “رحلات بنت قُطقوطة”، الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم عام 2007.
أقيمت الفعالية تحت رعاية الدكتور علاء عبد الهادي، رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وشارك في مناقشة الكتاب كل من الشاعر والكاتب نشأت المصري، والدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة الأسبق، والمتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية، بالإضافة إلى الشاعر والمترجم شرقاوي حافظ.
استهلت الدكتورة عطيات أبو العينين الندوة بالترحيب بالحضور، معربة عن شغفها بكل ما يُكتب في مجال أدب الرحلة، ودعت كل من لديه تجربة أدبية متعلقة بهذا الفن لمشاركتها ومناقشتها في اللجنة.
كما أثنت على كتاب الدكتورة عزة بدر، الذي يجمع بين عدة رحلات صحفية قامت بها إلى اليونان، إيطاليا، المغرب، وصولًا إلى الرحلة الروحانية إلى مكة المكرمة.
بدأت الندوة بكلمة للدكتورة عزة بدر، التي قرأت للحضور جزءًا من كتابها، واختارت النص الخاص باستعداد مكة المكرمة لاستقبال الحجيج.
وأشارت إلى أن هذا النص كان مصدر إلهام لروايتها “في ثوب غزالة”، التي كانت مكة والحرم المكي بطلًا رئيسيًا في أحداثها. كما أوضحت أنها أقامت في مكة لمدة ست سنوات، مما انعكس بعمق على كتابتها، وخصوصًا نصها الأخير في الكتاب.
وقال الشاعر نشأت المصري إنه كان يتوقع أنه سيقرأ الكتاب بسرعة، لكنه تفاجأ بجمال وعمق الكتابة، فقرأه مرتين وعاد لقراءة رحلات ابن بطوطة وأنيس منصور من جديد.
وأوضح أنه قبل قراءة الكتاب كان يشعر بالشفقة تجاه من يكتبون في أدب الرحلة بعد الكبار، إذ عليهم عبء التميز أو الصمت، فهذا قد يكون أفضل.
ولكن عندما بدأ القراءة، وجد صنوفًا من الأدب في الكتاب، من الشعر والقصة والرواية إلى المعلوماتية والحداثة. فقد صورت الكاتبة استعدادها لرحلتها إلى إيطاليا من شبرا في فصل غاية في الروعة، و دمجت بين الشعر والأدب والمعلومات بشكل بديع.
وأشار إلى أن هذا التنوع لم يتحقق في كتابات أخرى لأدب الرحلة، حيث يغلب الاهتمام بالجانب الغرائبي أو طغيان المعلومات على السرد الأدبي. أما الدكتورة عزة بدر فقد بحثت عن القيمة، وبين صفحة وأخرى قدّمت معلومات جديدة، ومن خلال حسها الشعري وخبرتها الصحفية، نقلت المعلومات للقارئ بسلاسة. ربطت بين ما رأته في دول أوروبا التي زارتها وبين الأمثال الشعبية في مصر، مضيفة لمسة جميلة تظهر خفة الظل.
كما أضاف أن لدى الكاتبة حسًا في توصيل المعلومة بشكل مختزل وسريع، بمهارة صحفية، حتى لا يُصاب القارئ بالملل. وتميزت الكاتبة أيضًا بالانتقائية، حيث لم تشغلها الأمور العجيبة أو الغرائبية، بل تعاملت مع ما سردته برشاقة وذكاء.
وتابع: لم تطلق الشاعرة العنان لداخلها بشكل كامل، لأنها تدرك أن قارئ أدب الرحلات هو قارئ عادي قد يجد صعوبة في فهم الأسلوب الشعري. لذلك، خلقت توازنًا في اللغة والأسلوب بين لغتها الشعرية واللغة البسيطة المكتوب بها الكتاب، مما يجذب قارئ أدب الرحلات، مؤكدا أن “رحلات بنت قطقوطة” هو كتاب مميز، وقيمته كبيرة جدًا بين كتب أدب الرحلة، وقد يكون أفضلها.
وقال الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، : “سأتحدث من خلفيتي الأنثروبولوجية، التي لها قواسم مشتركة مع أدب الرحلة.. البحث الأنثروبولوجي، بالطبع، ليس لديه الحس الأدبي كما في أدب الرحلة، لكنه يمتزج بالمجتمع، يعيش عاداتهم وتقاليدهم، وتقل المسافات بينه وبين الآخرين في البلدان التي يسافر إليها. وبالتالي يستطيع دراسة المجتمعات والاحتكاك بثقافاتها”.
وأضاف:”الأدب تجربة إنسانية يمتزج فيها الخيال بالواقع، في هذا العمل، المؤلفة هي بطلة النص، ورحلاتها كانت في إطار حضور مؤتمرات سياسية وحقوقية ضمن مجال عملها الصحفي، ورغم أنها لم تعش في المجتمعات التي زارتها مدة طويلة، فإنها قضت فترات قصيرة محكومة بشروط المؤتمرات..
وقال : رأيت الدكتورة عزة بدر من قبل في إحدى الرحلات التي سافرنا فيها معًا إلى المغرب. كانت مشغولة بتفاصيل تختلف عن تلك التي تشغلنا نحن. كانت تهتم بتقاليد أهل البلد وعاداتهم، ما يجذب نظرها قد لا يجذبنا نحن”.
واستطرد: “السفر فعل إنساني مختلف يحرر صاحبه. وقد جمعت الدكتورة عزة بدر بين الحس الأدبي والصحفي والأنثروبولوجي، مما أضفى على الكتاب هوية ثقافية واضحة. عيناها ترصدان الفروق بين الثقافات، وتسلطان الضوء على العادات والتقاليد بأسلوب سردي شيق.
وأضاف : في هذا الكتاب، تصارع المؤلفة هويات متعددة: هوية المرأة، وهوية الأديبة والشاعرة، وهوية الصحفية، والهوية الصوفية الروحانية التي ظهرت في مكة، وهوية السائحة في المغرب.
لم تقتصر على هويتها المصرية بل ركزت على هويتها كامرأة، وقدمت حسًا عربيًا وصوفيًا وروحانيًا وأدبيًا. ولم ترَ سوى كل ما هو جميل. هذا الطواف يجعلنا أمام حالة فريدة من الحب والشعر والموسيقى، إحياءً لتقاليد الشعوب والتواصل العميق”.
وأوضح: “نصوص أدب الرحلات تحمل في طياتها فعل المغامرة. يعيش المؤلف حالة استثنائية عندما ينتقل من حالة إلى أخرى، ولا بد أن يتحرر المؤلف من قيود ثقافته إلى حد يمكنه من اكتشاف الآخر.
وهذا تحقق في النص الأخير، الذي تناول الرحلة الروحانية إلى مكة.
وعبرت المؤلفة عن حالة من العشق الصوفي، وقدمت نصًا غاية في الجمال، تأملت فيه الطقوس الدينية وحالة التطهر الداخلي أثناء أداء الشعائر”.
واختتم الدكتور سعيد المصري بجزء من النص الأخير للكتاب ليستشهد علي مدى الإبداع والبلاغة : “سرنا بملابس الإحرام، لا يسترنا إلا الخوف من الله. الناس من كل جنس، من كل لون، يعتذرون إلى الله. يأتي الاعتذار بالبكاء، بالمناجاة، همسًا خفيضًا أو حوارًا داخليًا صامتًا.
عندما تأملت دعائي، وجدته ملحًا في طلب الدنيا، راغبًا في سعة الرزق والمال والولد. واصلت اعتذاري عن الدنيا التي أحملها فوق ظهري فتنوء بي وأنوء بها.
تعلقت عيناي بالكعبة، واسترسلت في الطواف، أودعها إلى لقاء جديد. قلبي، مثل كل يوم، متبول…”.
من جانبها، وجهت الدكتورة عطيات أبو العينين، رئيسة اللجنة، سؤالًا للشاعر والمترجم شرقاوي حافظ حول رؤيته لتراجع أدب الرحلة، وحول ترجمات هذا الأدب من العربية إلى لغات أخرى، ورأيه في كتاب رحلات بنت قُطقوطة.
فقال: “هذا الكتاب مميز. أرى أن الجزأين المتعلقين بإيطاليا واليونان هما أغزر الأجزاء ثراءً أدبيًا، ربما لتباين الثقافات بين مصر واليونان وإيطاليا، مع قربهما في الوقت ذاته. الكتاب يقدم معلومات جديدة وغنية.
المؤلفة صاحبتها مصريتها في كل وقت، بدءًا من عناوين الفصول مثل (طوف وشوف)، وهو عنوان مستوحًى من أغنية لأم كلثوم، وقد أضافت روحًا مصرية صافية حتى في النصوص التي تتناول موضوعات رسمية، كما ربطت بين الأساطير اليونانية والمصرية، فوصفت أفروديت بأنها “الربة حتحور”، وهاديس بأنه “أوزوريس”، مما يظهر تمسكها بهويتها الثقافية”.
وأضاف: “استخدام الجمل المصرية خفيفة الظل، والعناوين الفرعية الجذابة، يظهر روح المؤلفة، أما المعلومات التي قدمتها عن اليونان وإيطاليا، فكانت غزيرة وثرية.
وأوضح أننا نشهد اليوم انحدارًا في أدب الرحلات، ربما لأن الإنترنت أتاح التجول في العالم بسهولة، مما قلل من الإقبال على هذا النوع الأدبي”.
وأشار إلى أن: “أدب الرحلات قديمًا كان يُعرف بـ(ما يُحكى وما يُكتب).. لكن المؤسف أننا نتجاهل دور مصر القديمة في هذا الأدب. الرحلات بدأت في مصر كرحلات عسكرية وتجارية، والبرديات تذكر ذلك، مثل سفر الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت. ومع ذلك، نفتقر إلى مراجع عربية تؤرخ لهذه الرحلات”.
واختتمت الندوة بمداخلات من الحضور من بينهم الأديب صالح شرف الدين، الذي أثنى على نصوص الكتاب. وقال:
“ما يميز هذه النصوص الأربعة عشر هو عبقرية البدايات وروعة الخواتيم.. استخدام الفعل المضارع حتى عند الحديث عن الماضي أعطى النصوص إحساسًا بالتجدد والاستمرار.. كما أن استخدام العامية بحرفية شديدة كان موفقًا، مما أضفى لمسة شعبية على النصوص الأدبية”.
الجدير بالذكر أن الدكتورة عزة بدر هى كاتبة صحفية بمجلة صباح الخير وشاعرة وقاصة حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 2002، وعلي جائزة التفوق في الآداب عام ٢٠٢٤، من مؤلفاتها في ثوب غزالة – ، أعناق الورد، صورة للعائلة.