أنت لا تخرج من الحُب مُرهقًا منهكًا متعبًا خاسرًا ؛ لأن الحب يجعلك في حال جدلٍ دائمٍ مع الذات ، ومنتصرًا بلا هزائم أو خيبات أو مرارات ، لأن الروح العاشقة أو المعشوقة تعلو ولا تنزل ، تعيش حلمها وفلسفتها بحريةٍ جامحةٍ ، ومن يجمح يطمح ، ولا يصيبه وهنٌ أو خسرانٌ .
ففي الحب تمرُّدٌ على السائد ، وانتصارٌ على التقليد ، وفوزٌ على التحجُّر ، وعبورٌ على العُرف الكاذب ، وتمجيدٌ للذة الروح قبل لذة الجسد ، وسلطةٌ على سلطان الوجود .
سيادةٌ كاملةٌ لا نقصانَ فيها ، سيادةٌ بلا عبودية جبرية أو مختارة ، وهنا السيادة تعني القوة ، وكم من حُبٍّ ينقذ من الهلاك والتلاشي ، لأن من خسر حُبَّه ، فقد حياته ، وعاش كسيرًا ، معتزلا .
فعلى يد الحب ، يعلو الإنسان ، ويفقه حاله ، ويتطهر نفسيًّا وأخلاقيًّا ، ويصفو ويشف ، ويدرك السرَّ بعد أن يفوز بمفتاح الأبواب المغلقة .
والحُب الذي لا خيال فيه معطوبٌ ، وقد سقطت من أبجديته حروفٌ كثيرةٌ تُشكِّل متْنه .
وجوهر الحُب النقاء ، والفناء فيمن تحب ، وقد رأينا كيف أن العربيَّ القديم إذا ما أحبَّ ، دار سنةً كاملةً حول دار من يعشقُ ، مرتئيًا أن دارها كعبته التي يبتهل في جنباتها ، مؤديًا المناسك والطقوس غير غافلٍ لشئ . فالمُحب هو السالك لطريق العشق ، محمُولا على الحكمة الكبرى ، وأسرار شرع العشق وعرشه .