يصمت الشيخ العجوز قليلاً ليتأكد من تركيز العيون ثم يقول:
– هناك من يتقول علي الحكايات بأنها أكاذيب، كلام رجل إن لم يكن قد جن من فقده لسانه، فقد جن من رجوع النطق له… جربتم النظر إلى وجوهكم المعكوسة في مياه الترعة.. في أغطية القدور.. في مرآةٍ مكسورة؟ وجوهكم أحياناً تبدو أسمن.. أحياناً ترفع.. حتى وإن شوهت تماماً، تظل الصورة في النهاية انعكاساً لوجوهكم… انعكاساً للحقيقة.
أخذ جميع الحكائين عن ذاك الرجل، طافوا جهات الأرض الأربعة.. نشروا كل الحكايات.
الكيفية التي وصلت بها الحكايات إلى ذلك الشيخ الهرم ظلت لغزا، استحال إلى مجموعة من الفروض..
البعض قال إنه كان دائما على اتصال بالجان، البعض الآخر ذهب إلى أنه -بطريقة أو بأخرى- قد وصل إليه بعض لعاب كبير الشرطة، والذي شربه مخلوطاً بماء بئر مباركة، أتاح له مصلا من سم الحكايات الزعاف واتصالا بروح كبير الشرطة التي أملت عليه كل الحكايات. البعض الثالث اعتقد في أن الحكايات جميعها من وحي خيال ذلك الشيخ، وأنه زج بكبير الشرطة كي يستغل أسطورته. البعض الرابع كفر بوجود الشيخ من الأصل، وآمن بأن الحكايات من الأساس إبداع أخيلة أشخاص كثر لم يخصهم الزمن بأي ذكر.
قيل إن كبير الشرطة شيطان رجيم حل في جسد بشري؛ لينشر نفثاته وسمومه وقيل ملاك طرد من الملكوت الأعلى كهاروت وماروت، زعم مقدرته على خوض التجربة ثم سقط فيها فاستحق الطرد والعقاب ثم أخذ ينشر شروره في أرجاء العالم وبين البشر، سبب نكبته.
توفي الشيخ العجوز لكن الحكايات ظلت تدور، تتناقلها الألسن وتقفز بين المجالس، أنشدها الغجر وسعى بها منشدو الربابة وسجلها المؤرخون حتى كان ملكا أراد أن يوحد الحكايات ويزيل تباينات نظم نبض القلوب، فسعى يجتث الحكايات من الصدور، يطارد مخطوطاتها ويقتل من يصر على إنشادها، يطلق في أعقابهم الجند والعسكر، في البداية لعن كبير الشرطة على المنابر ثم اكتشف أن في منع ذكره أثرا أكبر.
يقولون إن الحكايات أبدا لا تموت لكنه الجهل بالقدر والمكتوب، الحكايات قد تموت وقد تنزع من الصدور وللأسف هو ما كان وسيكون لكنها نجوم قد تستنزف وقودها وتموت لكن من غبارها قد ينبت بشر وقد تتولد حياة أو قد تخبو في صمت لتزول هي وتبقى حكايات الزوال طاغية ومحفزة.