حالة “زوابع الاهتياج” التي تظهر بها النُّخبة النَّكبة في مصر راهناً عبر “فيسبوك” و”تويتر” فور الإعلان عن إنشاء “صندوق هيئة قناة السويس” الاستثماري الجديد؛ ذكرتني بالشخصية الشعبوية المصرية الشهيرة قديماً بأسمائها المتعددة والتي منها: “أمُّ علي اللطَّامة”؛ و”أمُّ حسن الطبَّالة”؛ و”بَاتْعَة المِّصَوَّاتِيَة” و”حفيظة المِزَغْرَاطِيَّة/ المزغردة”. إذ أن تلك الشخصية كان يتم استئجارها لآداء وظائف اجتماعوية مناسبة لزمانها… بغرض الإعلام عن أو إشهار أحداث معينة.
*****
هذه الشخصية الشعبوية التي كانت تعمل في “فضاء الشوارع والأحياء الشعبية” تُستدعى لإحياء الأفراح… بإطلاق الزغاريد إشهاراً لزفاف العروسين بالطبول والرقص بهز المؤخرات المتضخمة؛ وفي المآتم للقيام باللّطمِ؛ وشقِّ الملابس السوداء اللون… والصراخ بديلاً عن أهل المتوفى.
ومع التطور المديني انقرض طور المهنة القديم بكل أكاذيبه في المشاعر لينشأ طور جديد منها مناسب للعصر فيخرج من جغرافيا “الزقاق” و”العطفة” و”الحارة” الضيقة المحدود… إلى جغرافيا “الفضاء الافتراضوي اللامحدود” المتمثل في “فيسبوك” و”تويتر”؛ وهي جغرافيا تحتاج إلى “أمُّ حسن الطبَّالة الجديدة” و”أمُّ علي اللطَّامة الجديدة” و”حفيظة المِزَغْرَاطِيَّة الجديدة” و”بَاتْعَة المِّصَوَّاتِيَة الجديدة”.
والمؤسف للغاية أن الشخصيات القديمة لم تكن “تعرف تفُكِّ الخَطْ” حسب التعبير الشعبوي المصري القديم؛ لكن طورها الجديد والذي يؤدي دوراً إعلاموياً وسياسوياً مشابهاً؛ تخرج في الجامعات، ويحمل في أحيان كثيرة شهادات الدكتوراة؛ ومنهم من يعمل في وظائف اقتصادوية وسياسوية وإعلاموية… إلخ لكن خطابها الراهن يدعو للسخرية منها بتردي وعيها وكذب قولها؛ والذي لا يمتلك المصداقية؛ إذ أنه غير محكوم بالقراءة الواعية لطبيعة التحولات في عالم “أزمنة العولمة” واقتصاداتها؛ وضرورات التحول في النهج والأساليب لإدارة الدول.
*****
وحين تقوم بتفكيك خطابات هذه النوعيات المتعددة؛ لا يستعصي عليك إدراك نوعية الخنادق التي تتمترس فيها وهي تشهر أسلحة الضجيج حول جهود الدولة المصرية الراهنة؛ إذ أن الكثير منهم ينتمي إلى “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” الصهيوماسونية؛ ولدى جماعتهم ثأرات ثقيلة نتيجة تشتيتهم في أقطار الأرض؛ ومنهم كذلك من يدَّعون ارتداء قميص “الناصرية” التي أنتمي لها جيلاً في الموقف الواعي عقلاً وفكراً ووجداناً وأخالفهم المواقف الكهنوتية لأنهم يتاجرون بها سياسوياً؛ ومن نخبة اللطميات أيضاً من لا يزال قابعاً في “الكهف الماركسوي” المتفكك؛ ومنهم بكثرة من هم جُلَّاس مقاهي المتنشطين الدولاراتيين المندرجين في جمعيات تنفق عليها أجهزة الاستخبارات الغربية، وتحركهم سلاحاً للهدم الداخلي.
لقد أصابت الحُمَّى كل هذه النوعيات من نخبة “أمُّ حسن الطبَّالة الجديدة” و”أمُّ علي اللطَّامة الجديدة” و”حفيظة المِزَغْرَاطِيَّة الجديدة” و”بَاتْعَة المِّصَوَّاتِيَة الجديدة؛ فأخذوا يلطمون ويشقون الصدور؛ وهم في خطابهم يتناسلون العبارة الشهيرة: “قناة السويس خط أحمر”!!
والواقع أن سيطرة “فيروس كورونا نظرية المؤامرة” عليهم جعلتهم يستمرئون الطعن والدس وتشويه الوعي للجماهير الشعبوية، باختلاق حالة من القلق المتوتر؛ لتشويه جهود ما تخوضه الدولة المصرية الراهنة من تحديات؛ وما تستخدمه مما يسمى “فقه الحالة” المحكوم بـ “اقتضاءات الضرورة”؛ وهي تدير “سيناريوهات التنمية” بشروط العصر وضوابطه ومتاحاته.
*****
إن نُخب “أم حسن و”ام علي” و”حفيظة” و”باتعة” في أطوارها الجديدة؛ لا تعرف أن العالم قد تغير؛ حيث انهارت النظريات “السياسواقتصادوية” القديمة بمفاهيمها التي تتحدث عن الماضي بأمجاده ابنة زمانه؛ ولا يتذكرون أن الاتحاد السوفياتي قُطب الماركسية التليد قد تفكك؛ والصين الماوية المتمركسة تحولت إلى دولة رأسمالوية مغايرة في النوع؛ وأن مفهوم “الطبقة العمالية” آخذ في التلاشي والانقراض؛ بدخول الروبوتات بديلاً عن البشر الكثيف الأعداد إلى مجال الاستصناع والاستزراع من أجل تحقيق الانتاج الكثيف بالهوية العولموية؛ عبر تخصيص أسواق العمل في انتاج أجزاء من المنتج الكلي ثم تجميعها في أقاليم مغايرة.
ومن علل هذه النخب “ماضوية التفكير” أنها لا تدرك مُتَغَيّر ما يُسمى “التنمية بالديون” والتي فرضت نفسها على العالم كله؛ لا فارق فيها بين الدول الفقيرة والغنية كذلك؛ مع توحش طور “الرأسمالية العولموية” وامتلاكه أدوات التنمية المالية والتكنولوجية والسياسوية؛ ونزوعه للهيمنة المطلقة على الكوكب الأرضي؛ فمن يتكيف مع متغيراته ويدير أزماته بسيناريوهات الذكاء يحقق السلامة؛ ويوفر له دوراً في هذا الإطار يضمن الحياة الكريمة لشعوبه.
ويأتي “صندوق هيئة قناة السويس” محل التشويه في سياق هذا النهج من “التنمية الجديدة” التي تتجلى في صورة الأسواق المالية والتخصيص الحاكمة لحركة التمويل؛ وتضع موازين افتراضوية لقيمة الأصول في الأسواق يمثل ثقلها وقيمتها؛ ولا مفر من ذلك بـ “فقه الضرورة الاقتصادوية والسياسوية” طالما أن الأصول السيادوية الأساس محفوظة وخارجة عن مجال المقايضات؛ وقانون إنشائها يتوافق مع مواد الدستور والقانون.
*****
لقد حسمت أجهزة الدولة المصرية الأمر بهدم أكاذيب النخبة الشعبوية المتسيسة… إذ نفت أن يكون “إنشاء صندوق هيئة قناة السويس باباً خلفياً لبيع القناة”، مع تأكيد هيئة قناة السويس ذاتها: “أن قناة السويس وإدارتها ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها، كما سيظل كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين”.
وأوضحت الحكومة: “أن الهدف من إنشاء صندوق مملوك لهيئة القناة هو زيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة القناة، وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها، مُؤكدةً أن الصندوق سيساهم في تمكين الهيئة من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو سوء في الأحوال الاقتصادية، مُشيرةً إلى أن كافة حسابات الصندوق تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، مهيبةً بالمواطنين عدم الانسياق وراء تلك الأكاذيب، مع استقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة”.
ويأتي هذا الصندوق لـ ” دعمها في القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك مساهمة الصندوق بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رءوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية؛ وتمكينه من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها”. والملفت للانتباه ما نشره موقع “بصراحة” الإليكتروني من: “أن القانون الذي أصدره الرئيس السادات عام 1975 لنظام عمل هيئة قناة السويس يتيح للهيئة إيجار العقارات والأراضي التي تمتلكها للغير”.
واصطلاح “الأصول” هنا ينصرف عن المجرى الملاحي للقناة ذاتها باعتباره من الأصول الطبيعية للدولة المصرية والتي لا يجوز التصرف فيها أو بيعها”؛ لكن النخبة النكبة تتناسى “أن هيئة قناة السويس هى التى تملك الصندوق ـ الذي يوفر له ملاءة مالية يشتري ويقيم بها المشروعات ويبيعها ويشارك فيها ويعيد تدوير قيمتها المالية دعماً لخزانة الدولة ـ وليس العكس”؛ هو ما أكدته اللجنة البرلمانية في تقريرها حول مشروع القانون قبل التصديق عليه. وفضلاً عن ذلك تتغافل عن مشروعات التنمية العولموية الجديدة بصناعاتها المتطورة الجاري إقامتها في إقليم قناة السويس وشبه جزيرة سيناء والمدن الحافة بها بهوياتها الروسية والصينية والالمانية والفرنسية والأميركية والخليجية العربية.
غير أن ذلك يحرم هذه النخبة من ممارسة أدوارها في الفضاء الافتراضوي بإطلاق الشعارات المزيفة من مثل: ” قناة السويس خط أحمر وخصخصتها جريمة”؛ “انتهينا من بيع الأثاث وبدأت مرحلة بيع جدران البيت”؛” نسعى لتشكيل جبهة لإسقاط القانون”؛ “القناة … إرادة شعب وأمن قومي لوطن”؛” ما الداعي لإنشاء صندوق سيادي يستقل بميزانيتها عن ميزانية الدولة ويبتعد عن آليات الرقابة والمحاسبة”؛ “إنشاء صندوق بهيئة قناة السويس هو بمثابة تفريغ مصر من أموالها، وتحويل المال العام إلى مال خاص”؛ “إلا قناة السويس ياسادة”… إلخ من “العنتريات” المتخندقة في تضاد مع مشروع التنمية الراهن والذي لا بديل له تقترحه هذه النخبة المتقوقعة في كهوفها السياسوية؛ حين تتجاهل أن “ناصر الزعيم” قام بالتأميم للقناة ـ وفق فقه الحالة ـ معتمداً على السند السوفياتي حينها بمساهماته في بناء السد العالي والعديد من الصناعات وغيرها.
*****
إن نخبة “أمُّ حسن الطبَّالة الجديدة” و”أمُّ علي اللطَّامة الجديدة” و”حفيظة المِزَغْرَاطِيَّة/المزغردة الجديدة” و”بَاتْعَة المِّصَوَّاتِيَة الجديدة”… لا تختلف في وظيفتها عن وظيفة ” أم حسن وأم علي وحفيظة وباتعة” القديمة؛ فهي مستأجرة لإحداث الضجيج لمجرد الإشهار؛ متغافلة عن حقيقة المنجز المتحقق بكل أعبائه الكبيرة على الشعب المصري ـ والحمد لله لا تضربه المجاعات ـ والمصطبر أملاً في استرداد دولته عافيتها؛ بعد انهيارها خلال “مرحلة مبارك” والتي كان من أمراضها “تدمير القطاع العام” و”تعطيل القطاع الاستصناعي” و”تبوير القطاع الاستزراعي” و”تكريس مجتمع العشواءوية” في كل شئ؛ ولا ينبغي نسيان أن هذه المرحلة أنتجت بقيم الفساد المتسرطن و”ثقافة التفاهة” تلك النخبة الراهنة وهي تمارس اللطميات وظيفوياً فقط لمجرد تمثيل اللطم والصراخ.
وأمام لا موضوعية هذه النخبة وغياب وعيها عن إدراك التحولات البنيوية الهائلة في الاقتصاد والسياسة والتنمية عليك أن تقهقه لها: “ههههههههه” وهي تقول لامتطاء ظهر الوعي الشعبوي: “يالَهْوِتِي ياخَرَابِي”… “قناة السويس… خط أحمر”!!.
للمزيد: موقع التعمير للتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيس بوك التعمير