
يُعد افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا استثنائيًا بكل المقاييس، ليس فقط لأنه أحد أكبر المتاحف في العالم، ولكن لأنه يجسد رؤية مصر الجديدة في الجمع بين عراقة الماضي وطموح المستقبل.
وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف وتحديد موقعه بجوار أهرامات الجيزة، بدأ مشروع وطني ضخم يهدف إلى أن تكون مصر مركزًا عالميًا للحضارة الإنسانية ومقصدًا رئيسيًا للسياحة الثقافية.
اختيار الموقع لم يكن صدفة، بل جاء ليؤكد التكامل بين المتحف ومنطقة الأهرامات والمشهد التاريخي المحيط بها. فالتصميم المعماري الفريد والمتناغم مع البيئة يترجم رؤية مصر في الحفاظ على هويتها الثقافية وفي الوقت نفسه تقديمها بروح معاصرة تعبّر عن قدرتها على الإبداع والتجدد.
وما يميز هذا المشروع أنه لا يسلّط الضوء فقط على التاريخ العريق والحضارة الفريدة التي تمتلكها مصر، بل يعكس أيضًا حاضرًا نابضًا بالحياة ومستقبلًا واعدًا بالإنجازات. فالمتحف المصري الكبير هو رسالة حضارية تقول للعالم إن مصر ليست فقط مهد التاريخ، بل دولة حاضرة بقوة وتتحرك بخطى واثقة نحو المستقبل.
هذا الافتتاح سيكشف النقاب عن المجموعة الكاملة المكوّنة من خمسة آلاف قطعة من كنوز الملك توت عنخ آمون، والتي تُعرض للمرة الأولى مجتمعة في مكان واحد منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، إلى جانب 12 قاعة عرض رئيسية توثّق تاريخ مصر عبر العصور بطريقة تجمع بين التسلسل الزمني والموضوعي. هذه التجربة الفريدة ستضع الزائر في رحلة شاملة عبر آلاف السنين من الحضارة المصرية في مشهد معماري مذهل تُطل من خلاله قاعات العرض على الأهرامات مباشرة.
أهمية المتحف لا تقتصر على كونه صرحًا ثقافيًا فريدًا، بل تمتد لتشمل أبعاده الاقتصادية والسياحية. فالمتحف أصبح بالفعل عنصرًا أساسيًا في جدول أعمال الزائرين من مختلف دول العالم، حتى قبل افتتاحه الرسمي، وهو ما يعكس مكانته المنتظرة كأحد أهم عوامل الجذب السياحي في المنطقة. الافتتاح الكبير سيحظى بتغطية عالمية واسعة، وسيشكل أكبر حملة ترويجية لمصر، تُعيدها إلى دائرة الضوء كوجهة رئيسية آمنة وغنية بالتجارب الثقافية والإنسانية المتنوعة.
هذا الحدث سيساهم بشكل مباشر في زيادة عدد السياح ورفع متوسط مدة إقامتهم، إذ سيصبح المتحف نقطة رئيسية في برنامج أي زائر لمصر. ومن ثم سيكون له تأثير إيجابي على العائدات السياحية وعلى الاقتصاد الوطني ككل. ويأتي ذلك متوازيًا مع القرارات الحديثة، مثل اعتبار الشقق الفندقية جزءًا من القطاع الفندقي الرسمي، وهو ما سيساعد على زيادة عدد المفاتيح الفندقية في مصر، ويدعم خطة الدولة الطموحة لزيادة الطاقة الاستيعابية وتحقيق النمو المستدام في قطاع السياحة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية التوسع في مفهوم الشقق والغرف الفندقية، ليس فقط كأداة لزيادة الطاقة الاستيعابية، بل كأحد المحركات الرئيسية لتعزيز جاذبية السوق العقارية المصرية عالميًا. فهذه الفئة من الوحدات تمثل نموذجًا واعدًا لتشجيع الاستثمار الأجنبي وتطوير آليات “تصدير العقار” كأحد مصادر الدخل القومي، بما يعكس ثقة متزايدة في الاقتصاد المصري واستقراره، ويفتح آفاقًا جديدة أمام المطورين والمستثمرين لتقديم منتجات عقارية وسياحية تنافس عالميًا من حيث الجودة والعائد.
ومن المتوقع أن تُسهم هذه الخطوات في دعم خطة الدولة الرامية إلى استقبال أكثر من 30 مليون سائح بحلول عام 2028، بعد أن حققت مصر رقمًا قياسيًا باستقبال 15.7 مليون سائح في عام 2024.
في النهاية، فإن المتحف المصري الكبير لا يُعد مجرد مشروع ثقافي أو أثري، بل هو رمز لقدرة مصر على المزج بين الماضي والحاضر والمستقبل، ورسالة تؤكد أن مصر – بتاريخها العريق، وحضارتها الممتدة، وحاضرها المزدهر، ومستقبلها الواعد – لتظل دائمًا مصدر إلهام للعالم، ونموذجًا للتنمية التي تجمع بين الهوية والابتكار، وبين الثقافة والاقتصاد.
•يذكر أن الدكتور أحمد شلبى هو الرئيس التنفيذي لشركة تطوير مصر وعضو مؤسس وأمين أمانة الإسكان والتنمية العمرانية بحزب الجبهة الوطنية




