منوعات

دينا المقدم تكتب: بين العدل والعدالة والإنصاف.. رؤية فلسفية قانونية

في فقه وفلسفة القانون، هناك فرق دقيق لكنه جوهري بين مصطلحات العدل والعدالة والإنصاف، فبينما تتقاطع هذه المفاهيم في الغاية، إلا أن لكل منها طبيعة ووظيفة قانونية مختلفة.

أولًا: العدل (Justice) — المساواة الشكلية

في إطار تلطيف قواعد القانون الجامدة، ميّز فلاسفة القانون، وعلى رأسهم الفيلسوف العظيم أرسطو، بين العدل والعدالة. ويؤكد الفقه القانوني الحديث هذا التمييز، معتبرًا أن العدل هو “العدل الشكلي” المرتبط بتطبيق القواعد القانونية بصورة عامة ومجردة.

العدل، في جوهره، يعني المساواة أمام القانون؛ أي معاملة الأفراد المتساوين بنفس الطريقة، ووفق نفس الشروط، بغض النظر عن ظروفهم الخاصة. فمثلًا، يعامل القانون من يسرق لإطعام أطفاله كمن يسرق لإشباع رغباته الشخصية، لأن القانون يهتم بالوصف القانوني للفعل لا بدوافعه الداخلية.

لكن هذه المساواة الشكلية، رغم عدالتها الظاهرية، قد تكون ظالمة في بعض الحالات الفردية. فالقواعد القانونية بطبيعتها العامة لا تستطيع الإحاطة بجميع التفاصيل الدقيقة لكل حالة على حدة، مما يجعل بعض الأفراد ضحايا للعدل الشكلي.

ثانيًا: العدالة (Equity) — الملاءمة والإنصاف

وهنا يأتي مفهوم العدالة أو ما أطلق عليه أرسطو “الإنصاف (Equité)”، كـ”مصحّح” للجمود في تطبيق القاعدة القانونية. العدالة تعني مراعاة الفروق الفردية والظروف الخاصة التي قد تجعل تطبيق القاعدة القانونية في حالتها المجردة أمرًا غير منصف.

العدالة بهذا المعنى هي معاملة خاصة لحالات خاصة، بما يضمن تحقيق التوازن وتلافي النتائج غير المعقولة أو الظالمة، التي قد تنشأ عن التطبيق الحرفي للقانون.

ثالثًا: الإنصاف — الضمير كمرجعية

أما الإنصاف، فهو الشعور الكامن في الضمير والعقل السليم، الذي يُلهم حلاً عادلاً لا يعتمد فقط على نصوص القانون بل على القيم والمبادئ الإنسانية. ومنه استُنبطت ما يُعرف بـ”قواعد العدالة”، وهي مبادئ سامية تسعى لتحقيق الخير العام، وتقوم على مراعاة الواقع الإنساني والظروف الفردية.

القانون بين العدل والعدالة

في النهاية، القانون لا يهدف إلى تحقيق العدالة بالمعنى الكامل، بل يسعى إلى تحقيق العدل من خلال قواعده العامة. فالعدل يقوم على مساواة شكلية، أما العدالة فتهدف إلى مساواة واقعية تراعي البواعث الخاصة والتفاوت الإنساني بين الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى