منوعات

أشرف عبدالشافى يكتب : كامو يلعب الكرة أيضا!

لم تكن علاقة الحب التى جمعته بالممثلة الإسبانية ـ الفرنسية (ماريا كازاريس) هى كل أسرار ( ألبير كامو ) ، لكن علاقته مع كرة القدم هى السر الأكبر فى تشكيل هذا الوعى الفلسفى للإنسان المتمرد الذى لعب كرة القدم كحارس مرمى لفريق كرة القدم بجامعة وهران بالجزائر سنة 1930، وهى التجربة التى قال عنها :” “تعلمت من تلك اللعبة أن الكرة لا تاتى مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التى ينتظرها منها..وقد ساعدنى ذلك كثيراً فى الحياة خصوصاً فى المدن الكبيرة حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة”.

وعليك أن تتأمل تلك العبارة البديعة التى تعكس فلسفة كاملة تعلمها كامو تحت الثلاث خشبات ،فقد لعب كرة القدم كمحترف وليس كهاو، وكاد أن يصبح واحداً من أهم حراس المرمى فى العالم ، لكن الفقر الذى عاشه أثناء فترة الاحتلال الفرنسى للجزائر جعل الأمراض تعرف طريقها إليه مبكراً فقد أُصيب هذا الشاب الجامعى بمرض السل ، فانقطع عن الرياضة وعن كرة القدم مرغماً .

كان “كامو” حارس مرمى لفريق كرة القدم بجامعة وهران بالجزائر سنة 1930،ومع تقلبات الحياة دخل “كامو” معركة استقلال الجزائر باعتباره كاتبا ومفكراً ،وفى عام 1934 التقى بالفيلسوف الفرنسى المعروف “جان بول سارتر” فى افتتاح مسرحية “الذباب” التي كتبها الأخير ، ونشأت بينهما صداقة عميقة نتيجة تشابه الأفكار بينهما وإعجاب كل منهما بالآخر .

وحكى “كامو” عن الساحرة المستديرة التى علمته الكثير ، وكيف كان يتأمل جنونها ومتعتها ،وخفقات القلب فرحاً كلما نجح فى انقاذ مرماه من هدف محقق ،واعجابه بنفسه وهو يسمع آهات الجمهور ،ونظرات الاعجاب فى عيون زملائه فى الفريق كلما خرجت الشباك نظيفة .

فى البداية لم يكن “كامو” يريد اللعب كحارس مرمى ، لكن “جدته” التى لم تكن تحب اللعب عموما وتراه استهلاكاً للحذاء بلا طائل هى التى أجبرته على القبول باللعب كحارس مرمى ، فلن يحافظ على الحذاء ولن ينجو من عقاب جدته إلا بتلك الطريقة ، وضحى “كامو” ـ الذى سيحصل على جائزة نوبل فى الأدب فيما بعد ـ بمستقبل كبير لهداف ماهر ، لكنه ومع الأيام وقع فى غرام الوقوف أسفل الثلاث خشبات :” حارس المرمى يستطيع التأمل .. وتعلمت من حراسة المرمى كيف أن الكرة تحتاج تركيزاً وسرعة بديهة ،فهى لا تأتى دائماً من المكان الذى نتوقعه “، وعلينا بذلك أن نتوقع الغدر ولا نطمئن كثيراً لحسن النوايا .

سيتعلم حارس المرمى الصغير فيما بعد فلسفة التمرد ، ففى عام 1949 ،وبعد تسعة عشر عاماً من الاعتزال الإجبارى لكرة القدم ،يكتب “كامو” كتابه “الإنسان التمرد” ويعلن الرفض الصريح للشيوعية ،فتنقلب عليه الدنيا ..والأصدقاء أيضاً بما فيهم سارتر نفسه ، ويدخل فى عزلة قاسية ، لكنه يواصل مسيرته حتى يكتب روائعه “الغريب “ثم “أسطورة سيزيف ” ويصبح عضوا فى منظمة اليونسكو ، ثم يصبح أهم كاتب فى مجال العمل الإنسانى المتضامن مع الشعوب المقهورة ، ويعلن فى 1952 استقالته من منصبه فى منظمة اليونسكو احتجا جا على قبول الامم المتحدة لقبول عضوية أسبانيا و هى تحت حكم الجنرال فرانكو، وبعد خمس سنوات أى فى 1957 يحصل حارس المرمى الفقير على جائزة نوبل فى الأداب عن سلسلة المقالات التى كتبها منتقداً فيها عقوبة الاعدام.

اقرأ أيضًا : أشرف عبدالشافى يكتب : عندما هتف الجمهور «كاريوكا»!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى