وقد أحكم القتلة قبضتهم على المسجد وأبوابه ، وأطلقوا النيران على المصلين وهم يهتفون : ” اقتلوا الكفار والمرتدين “. فقتل نحو ثلاثمائة وهم بين يد الله ، وفي مسجده بقرية الروضة ، التي يسكنها مسلمون ينتمون إلى الطريقة الصوفية الأحمدية أو البدوية ، وهي إحدى الطرق الصوفية السنيّة ، التي تنسب إلى الشيخ أحمد بن علي إبراهيم البدوي ، السيد (فاس 596 هـجرية /1199 ميلادية – طنطا 675 هـجرية /1276 ميلادية ) المُلقَّب بالشيخ المعتقد الصالح أبي الفتيان ، وعُرف بأبي اللثامين السطوحي ” ، وله الكثير من الألقاب، أشهرها شيخ العرب ، وينتسب السيد البدوي من جهة أبيه إلى الحُسيْن بن علي بن أبي طالب ، وقد عاش في العصر المملوكي ، و نشر طريقته من طنطا ، وتولَّى أمور الطريقة بعده عبد العال ، وهو من أوائل مريديه الذين تربُّوا على يديه ، وكان قد أوصاه قائلا : ( يا عبد العال، اعلم أنني اخترتُ هذه الراية الحمراء لنفسي في حياتي وبعد مماتي، وهي علامة لمن يمشي على طريقنا من بعدي ) ، وبالفعل انتشرت طريقته من مصر إلى بلدان العالم الإسلامي مثل : تركيا وليبيا والسودان وغيرها من البلدان العربية والأوربية والآسيوية.
ولقد تفرَّعت منها طرق كثيرة من بينها الطريقة الجريرية الأحمدية .
ولمَّا كان المصلون يهرولون خارجين من المسجد ؛ لينجوا من القتل ، كأنني سمعت أحدهم يردِّد ما قاله الحلاج يوم مقتله : ( … هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصُّبًا لدينك, وتقرُّبًا إليك. فاغفر لهم. فإنك لو كشفتَ لهم ما كشفتَ لي لما فعلوا ما فعلوا, ولو سترتَ عني ما سترتَ عنهم لما ابتُليتُ بما ابتُليت. فلك الحمد فيما تفعل، ولك الحمد فيما تريد ) .
إن تاريخ المسلمين ملآن بتعذيب وقتل المتصوفة والعلماء والفقهاء والأئمة والشعراء ، ولو منحتُ نفسي فرصة الجمع والإحصاء لاحتجتُ سنواتٍ ؛ كي أفي بملف كهذا ، ولكنني سأضع هنا عددًا قليلا من رموز التراث الذين اتهموا بالزندقة والإلحاد مثل : الرازي ، والخوارزمي ، والكندي ، والفارابي ، والبيروني ، وابن سينا ، وابن الهيثم ، وأبو حامد الغزالي ، وابن رشد ، والعسقلاني ، وابن حيان ، والنووي ، وابن المقفع ، والطبري ، والكواكبي ، والمتنبي ، وبشار بن برد ، ولسان الدين الخطيب ، وعمر بن الفارض ، ورابعة العدوية ، والجاحظ ، وأبو العلاء المعري ، وابن طفيل ، وابن بطوطة ، وابن ماجد ، وابن خلدون ، وثابت بن قرة ، و ابن المنمر ، الأصفهاني ، والجعد بن درهم ، وأحمد بن نصر ، وأحمد بن حنبل .
وهؤلاء وغيرهم من الرموز قد كُفروا وعذِّبوا وطوردوا ونكِّل بهم ، وضُرِبوا بالسياط ، وأُحرِقت كتبهم أو دُفنت في باطن الأرض أو أُتلفتْ أو غُسلتْ بالماء.
اقرأ أيضًا : أحمد الشهاوي يكتب : الصوفيون لا يكفِّرون أحدًا