منوعات

أحمد الشهاوي يكتب : الصوفيون لا يكفِّرون أحدًا

الصوفيون لا يكفِّرون أحدًا من أية ملَّة . وهم ليسوا أهل استبداد أو طغيان أو عدوان ، إنهم فقط قريبون من الله.

لا يعرفون غلوًّا أو تعنُّتًا ، بل هم أبناء السماحة والاعتدال ، بديعون وليسوا مبتدعين ، متفانون في عبادته ، وزاهدون في الثروة والمظاهر ، لا يبتغون ملذَّات الدنيا الفانية ، ومتقشِّفُون في كل شئ ، ومكتفون بقلوبهم النقية المتطلعة إلى الحُب ، وبعيدون عن التحارُب والتقاتُل والتطاحن والتكالب والمذهبية ، مشغولون بتصفية قلوبهم ، فهم يجاهدون روحيًّا ولا يحملون أيَّ أنواع من الأسلحة ، مسالمون بطبيعتهم ، وبحكم أخلاقهم وتربيتهم النفسية ، ويسلكون طريق الحق والهداية ، يبحثون عن الحقيقة المطلقة التي يسعون إليها ، ويطلبون الوصول إليها .

ويؤمنون أن الذهاب إلى الله وعبادته والتضرُّع إليه على عدد أنفاس البشر ، ويرشدون الخلق إلى طرق الحق ، يدفعون الشر ويستجلبون الخير .

وهنا علينا أن نستعيد ما كتبه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي شعرًا عن موقف المتصوفة من الأديان والمعتقدات :
( لقد كنتُ قبل اليوم أنكرُ صاحبي
إذا لم يكُن ديني إلى دينِه داني
لقدْ صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ
فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديْرٌ لرُهْبانِ
وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبة ُ طائفٍ
وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ رَكائِبُهُ
فالحُبُّ دينِي وإيماني )

وللأسف يقول المتخلفون من السلفيين والوهابيين عن ابن عربي : ” الشيخ الأكفـر محيي الشرك ” ، ومن يصفه بذلك من المؤكَّد أنه لم يقرأ كتابًا واحدًا له .

المتصوفة في مصر أو في غيرها من الدول مستهدفون ومُطاردون ومُحاربون من المتشدِّدين قديمًا وحديثًا ، ويسَاء الظن بهم دائمًا ، والأمر لا يختلف كثيرًا عندما سيق إلى الذبح قطبان صوفيان من أقطاب الوقت وهما الحلَّاج والسُّهروردي ، حيث تُهدم أضرحة الأولياء والمتصوفة ، أو تُحرق مساجدهم أو يتم تدميرها ، والاعتداء على المصلين بها ، إذ يرى السلفيون بطوائفهم المختلفة أن الصوفيين كفَّار وملاحدة ، ويناهضونهم ، ويناصبونهم الكراهية والعداء ، وفي زماننا هذا يُكفِّر الوهابيون – أينما كانوا – المتصوفة ويحرقون كتبهم ويمنعونها ، ويستهدفون المكتبات التي تبيعها ، والناشرين الذين ينشرونها .

ففي مصر مثلا رأينا سلفيين متطرِّفين ضالين مُضِلِّين مأجورين ومرتزقة من داعش أو سواها من جماعات الإسلام السياسي قتلت الأب الروحي للصوفيين الشيخ سليمان أبو حراز السواركي الأشعري الشافعي في سيناء ، وأحد أبناء قبيلة السواركة ، وكان ضريرًا و مُسنًّا يبلغ عمره حوالي مئة سنة ، وخير من يمثِّل الإسلام المعتدل ، الذي يتنافى مع أفكار الجماعات المتطرفة والشاذة ، التي تلبس الدين رداءً خارجيًّا لها ، حيث اتهمت الشيخ الزاهد بالكهانة والسِّحر ، وادَّعاء علم الغيب ، ودعوة الناس للشِّرك ” وذبحته ، وذبحت معه الشيخ قطيفان المنصوري الذي تم قتله بالطريقة نفسها ، وبالتهم نفسها ، وقد وزَّعت داعش أو تنظيم أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء ( لا فرق عندي بينها في التطرُّف والتشدُّد وممارسة الإرهاب باسم الدين ) فيديو يصوِّر مقتلهما مصحوبًا بجُملة : ” تنفيذ الحكم الشرعي على كاهنين ” ، وكان ذلك في سنة 2016ميلادية .
كأن هؤلاء القتلة المجرمين لا يدركون أن الدين – أي دين – يُحرِّم سفك دم الأبرياء، ويُشدِّد على حرمة دماء العجزة والضعفاء وكبار السن .

كما فجَّرت عددًا من الأضرحة الخاصة بالصوفيين في كل من الشيخ زويد والروضة بسيناء ، ثم فجَّرت مسجدًا في يوم جمعة ( مسجد قرية الروضة ، وكان مقرًّا للطريقة الجريرية الأحمدية الصوفية ، ببئر العبد في سيناء، أثناء صلاة الجمعة ، وسميت هذه الطريقة بالجريرية نسبةً إلى مؤسِّسها الشيخ عيد أبوجرير ” 1910 – 1971 ميلادية ” المدفون في قرية سعود التي يسكنها أهل قبيلة الطحاوية أخوال ابني الوحيد أحمد ، وقد رعاها بعد رحيله ابنه أحمد الأمين ” توفي عام 2014ميلادي ” , وكان للشيخ عيد أبي جرير دور مهم في مقاومة أهل سيناء للعدو الإسرائيلي عندما كان يحتل جزيرة سيناء ، ويعد من الرموز الكبار لمجاهدي سيناء ) .

حيث كان المصلون المسالمون بين يدي الله ، الذي يعتقد السلفيون الوهابيون ( عُبَّاد ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ومحمد بن عبد الوهاب ) أنه مِلكُهم وحدهم ، و يحتكرونه لهم ، وأن سواهم كفَّار وزنادقة وملحدون ومشركون ومُهرطقون وخارجون على الدين . ويُخْرِج السلفيون – والوهابيون منهم في المقدمة – الصوفيين من مذهب أهل السنة والجماعة ، ويعتبرون أن من رجع عن طريق التصوف فقد تاب وعاد إلى ربه .

اقرأ أيضًا : أحمد الشهاوي يكتب : الباحث ليس قاطع طريق!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى