يتفرد “سيد مرعى” بأنه كان سياسيا لامعا قبل الثورة وبعدها!!.. كان نجما فى “زمن الجمهورية الأولى” واستمر نجما فى “زمن الجمهورية الثانية”!!
تمتع بثقة “عبد الناصر” واحترم ذلك.. كما تمتع بثقة “السادات” لدرجة المصاهرة.. وكان شجاعا حين كتب مذكراته – أوراق سياسية – ونشرها عام 1977 ليسجل فيها بكثير من الإنصاف, ما عرفه عن “عبد الناصر” منذ الساعات الأولى لقيام “ثورة 23 يوليو” كإنسان وزعيم.. لم ينكر انحيازه وحبه لشخص “السادات” رغم أن خلافاته معه كانت حادة.. ورغم أنه أبعده عن رئاسة مجلس الشعب, بطريقة أصبحت أسلوبا لحكام “الجمهورية الثانية” كلهم!!
يذكر “سيد مرعى” فى مذكراته أنه شاهد بعينه “الولد الذى حكم مصر” واسمه “الملك فاروق” يلعب “القمار” فى نادى “محمد على” الذى أصبح “النادى الدبلوماسى” بعد الثورة.. ووصفه بأنه بدا أمامه كما أحد أفراد “عصابات شيكاغو” ورسم صورة صادقة للمجتمع المصرى قبل “23 يوليو 1952”.. ليت “عصابة تزوير التاريخ” تحاول قراءتها..وذكر حقيقة دور “محمد نجيب” كقائد فى بدايات الثورة, بتفاصيل ووقائع كان طرفا فيها وشاهدا عليها.. لم يخجل من الاعتراف بأن لقاءه الأول مع “عبد الناصر” كان صداميا..
لكنه أكد على أن الرجل كان شديد الموضوعية, ويقرب منه وإليه كل من يخلص فى العطاء للوطن.. وينفى ما تروجه “ماكينات الكذب وتزوير التاريخ” عن أنه “ديكتاتور”.. بل يذهب إلى الشرح بوقائع العكس تماما.. ويضيف بأنه كان يراجع نفسه ومواقفه, ويصارح الجميع بأنه أخطأ التقدير فى هذا الموقف أو ذاك.. وبقى أنه كان – ومازال – وزير الزراعة الأكثر نجاحا فى العصر الحديث.. ربما لأنه انحاز للشعب بصدق, حتى أبعدته “رياح الجمهورية الثانية” عندما أعطته رئاسة “مجلس الشعب” وسحبت منه رصيده الشعبى.. لكنها لم تتمكن من تبديد رصيده من التقدير, عند كل من عرفوه واطلعوا على مواقفه.. وقد اختار بإرادته أن يذهب إلى الظل بعد رحيل “السادات” تاركا للتاريخ أن يقول فيه كلمته!!
علاقة “سيد مرعى” بثورة “23 يوليو” تلفت الانتباه.. فهو واحد من طبقة “الإقطاع” التى تكونت على امتداد السنين منذ حكم “محمد على” مصر.. لكنه سبق الثورة فى طرح أفكار “الإصلاح الزراعى” تحت قبة البرلمان..
تولى قيادة سفينة “الإصلاح الزراعى” بنجاح كبير.. تولى منصب “وكيل مجلس الأمة” مع “أنور السادات” الذى ترأسه لسنوات.. عمل عضوا منتدبا لبنك مصر, خلال فترة خلاف بينه وبين “عبد الناصر” الذى أعاده نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للزراعة فى سنوات النكسة القاسية!!.. واعتمد عليه “السادات” ليكون أحد أركان نظامه, حتى أطاح به مقابل أكلة “فتة ولحمة مسلوقة” فى “القناطر” تناولها حضرات السادة نواب ذاك الزمان.. ثم “بصموا” على رغبة “السادات” بأن يتولى “صوفى أبو طالب” رئاسة المجلس.. لمجرد أن المعارضة كانت تحترمه وتقدره, وسجل رموزها ذلك فى المضابط.. ونشرت الصحف شهادتهم فى حقه!!
إستفادت “الجمهورية الثانية” من “سيد مرعى” وجعلته يدفع الثمن!!
سجل “سيد مرعى” رؤيته.. كتب شهادته بالتفاصيل فى ثلاثة أجزاء.. وأعترف بأننى كنت أراه فى بداية مشوارى الصحفى: “سيد بيه.. يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه”.. كواحد من الهتافات ضد مؤسس “الجمهورية الثانية” خلال انتفاضة 18 و19 يناير 1977.. حتى أخذتنى دهشة وصدمة.. فقد كنت فى زيارة منزلية للأستاذ “محمود عوض” الذى أخبرنى أن “سيد مرعى” قادم لزيارته.. قرأ الدهشة على وجهى.. قال لى: “نتكلم بعدين” وماهى إلا دقائق حتى وصل الضيف.. لا أخفى دهشتى من بساطة الرجل, وعمق علاقته مع صاحب البيت.. فكل منهما ينادى الآخر باسمه!!
إنتهت الجلسة.. طلب منى “محمود عوض” قراءة “أوراق سياسية” قبل أن أطرح عليه أى سؤال.. بحثت عن هذه المذكرات فلم أجدها.. سمع منى الأستاذ “عباس الطرابيلى” حكاية بحثى عن مذكرات “سيد مرعى” فكانت مفاجأته لى أن أحضرها فى اليوم التالى.. أخذتها ملهوفا وعكفت على قراءتها, وكنت أسأل “عباس الطرابيلى” حول مصداقية الرجل.. المفاجأة أنه قال عنه كلاما إيجابيا كثيرا, رغم أن “سيد مرعى” كان من رافضى “الوفد” قبل وبعد الثورة.. وبعد أن انتهيت من القراءة, إنتهزت فرصة أول لقاء مع “محمود عوض” وبدأت أطرح عليه أسئلتى.. تطابقت شهادته عن الرجل مع شهادة “عباس الطرابيلى” وكليهما يمثل اتجاها عكس الآخر تماما!!
وقعت فى هوى التاريخ طوال سنوات خمس مضت!!
أعدت قراءة “اوراق سياسية” ضمن إعدادى لرؤيتى التى أكتبها عن “الجمهورية الثالثة” لأجده برهانا دامغا على أن “ثورة 23 يوليو 1952” إنتهت برحيل قائدها وزعيمها.. كما كان شاهدا على أن “الجمهورية الثانية” أخذت الطريق العكسى للثورة.. بل شارك فى وضع أسسها, وظنى أنه لم يشأ التقييم أو المقارنة متعمدا.. فقد كتب ونشر خلال حياة “أنور السادات” الذى أخذ منه بأكثر مما أعطاه.. خصم من رصيده فوق ما يتصور الذى يقرأ تلك الشهادة!!
شخصية الإنسان وتربيته الفكرية تنعكس عليه فى موقع المسئولية!!
يجسد ذلك “أنور السادات” الذى تعود الصمت, حتى أصبح رئيسا.. كما يجسده “سيد مرعى” الذى تعود أن يقول رأيه ويعلن موقفه منذ كان شابا, حتى تم إبعاده عن رئاسة مجلس الشعب.. ولن أخوض فى تفاصيل كثيرة.. كل ما يهمنى هو أن “سيد مرعى” المهندس الزراعى كان رقما مهما فى “الجمهورية الأولى” ثم أصبح رقما صعبا فى “زمن الجمهورية الثانية” التى هدمت الأولى مع سبق الإصرار والترصد!! ويذكر “موسى صبرى” نقلا عنه قوله: “يرى المهندس سيد مرعى أن شخصية أنور السادات ليست بسيطة.. ليست سهلة الفهم.. مستحيل أن تعرف قراره من ملامح وجهه”!! بينما “سيد مرعى” نفسه يقول فى مذكراته أن “عبد الناصر” كان واضحا لدرجة أنك تستطيع أن تقرأ رأيه على وجهه بسهولة!! ويذكر “موسى صبرى” نقلا عن “سيد مرعى” أنه قال له: “السادات يمتاز بالفهم الصحيح للرأى العام العالمى.. خاصة الرأى العام الأمريكى.. وهو قادر دائما على أن تضع الصحف العالمية كلامه فى مانشيتات – عناوين – تهز الرأى العام”!! وذلك يحسبه “موسى صبرى” لصالح “السادات.. الحقيقة والأسطورة” كما اعتقد وحاول إقناع قارئه.. لكنه ترك الانطباع العكسى لدى من يقرأ ويدقق خاصة أنه أشار إلى عمق علاقة “سيد مرعى” مع “محمد حسنين هيكل” وأسهب فى شرح إيمان “سيد مرعى” بالحوار والتفاهم مع المعارضة.. عكس “أنور السادات” الذى كان يرى معارضيه أعداء للوطن.. فيحكى “المحامى الأول والأكبر” عن مؤسس “الجمهورية الثانية” فيقول: “غضب الرئيس السادات من المهندس سيد مرعى, عندما حدثت مقاطعة له وهو يلقى بيانا أمام مجلس الشعب من النائب أحمد ناصر..
كانت الجلسة مذاعة على الهواء.. ورد الرئيس على النائب قائلا: على رئاسة المجلس أن تطبق اللائحة.. إرتبك سيد مرعى ولم يتخذ إجراء مع النائب.. بعد الجلسة كان سيد مرعى فى توديعه, فالتفت نحوه الرئيس فى غضب وقال: ماذا كنت تنتظر لتتطبق اللائحة, أكثر من نائب يقاطع رئيس الجمهورية.. كان يجب أن تستخدم اللائحة, وتخرجه من الجلسة.. ورد سيد مرعى: يا فندم ما كنش عندنا فرصة.. لكن الرئيس قال له: لأ.. كان عندك فرصة”!!
يضيف “موسى صبرى” واقعة أخرى فيقول: “كان الدكتور حلمى مراد قد قدم استجوابا عن إضراب الطلبة.. رأى سيد مرعى تسوية الموقف, فطلب حلمى مراد وعبد الفتاح حسن.. أراد إقناعهما بأن الوقت غير مناسب لمناقشة الاستجواب.. ناقشهما وشرح لهما الموقف.. إقتنع عبد الفتاح حسن, وشارك فى إقناع حلمى مراد بأن يسحب الاستجواب.. وكان سيد مرعى قد رأى إغلاق باب مكتبه, حتى ينتهى من مناقشة النائبين.. تم نقل ما حدث للرئيس.. إتصل به وقال له: كان لازم تقفل على نفسك ساعتين مع المعارضة.. هل هذه جبهة ضد الحكومة يا سيد؟! رد سيد مرعى: يا خبر ابيض.. أنا أعمل جبهة مع المعارضة ضد الحكومة؟!.. أجابه الرئيس: الخبر أكيد وصحيح.. فقال سيد مرعى: الواقعة التى وصلتك صحيحة.. لكن الحقيقة أننى كنت أقنعهما بسحب الاستجواب ضد الحكومة لعدم إحراجها.. فأجاب الرئيس: لماذا؟!.. ما هو الضرر من نظر الاستجواب.. الاستجواب يتناقش والحكومة تتولى الرد.. طريقتك اللينة دى لا تصلح فى العمل السياسى”!!
تمت مناقشة الاستجواب بالأمر!!
إكتشف “سيد مرعى” بعدها أن “السادات” كان يجهز للتخلص من الوزارة بأكملها.. وحين أراد تشكيل “الحزب الوطنى” برئاسته.. سأله “السادات”: “هل سمعت أننى سأكون حزبا جديدا برئاستى؟!”.. فقال “سيد مرعى”: “سمعت.. لكننى أفضل تطوير حزب مصر.. لا أفضل أن ترأس سيادتك حزبا.. فالأفضل أن تكون فوق الأحزاب”.. رد “السادات”: “الناس إذا وجدت نقصا فى التموين.. لا تحاسب وزير التموين.. تعتبرها مسئولية السادات, وهكذا فى كافة الخدمات.. لماذا نهرب من الحقيقة.. أليس من حقى والشعب يضع المسئولية على أكتافى, أن ألغى حزب مصر بعد أن فشل سياسيا.. أن أضع النظام السياسى الصحيح لحزب جديد, ونقفز به للأمام؟!”.. أوضح “سيد مرعى” أن الحياة الحزبية فيها تجريح.. فلماذا يعرض رئيس الجمهورية للتجريح.. لماذا لا يترك الأمر للسياسيين, ويبقى الرئيس فوق التجريح حكما وملاذا للجميع..
قال “السادات”: “سأضم بعض أعضاء حزب مصر إلى الحزب الجديد الذى سيكون فى تشكيله مثاليا, لا يجمع إلا الشخصيات المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والسمعة الحسنة”!!.. فرد “سيد مرعى”: “أنا مش موافق يا فندم”.. سأله “السادات”: “يعنى انت مش معايا؟!”.. أجاب: “أنا مرتبط بك.. ولن أرتبط بالحزب”!!
حكم “سيد مرعى” على نفسه بالإبعاد!!
صحيح أنه تعود أن يتكلم ويواجه ويقول رأيه.. قبل الثورة وبعدها.. لكن فى “زمن الجمهورية الثانية” الديمقراطى غير مقبول أن تتكلم.. جريمة أن تجلس مع المعارضة.. مؤامرة إذا تركت نائب يقاطع الرئيس.. وكلها وقائع ذكرها “موسى صبرى” دفاعا عن “الحقيقة والأسطورة”!!
يوضح المؤلف أكثر.. فيقول: “عندما تطاول الشيخ عاشور على رئيس الجمهورية, وقال يسقط رئيس الجمهورية.. أعطى سيد مرعى الكلمة للدكتور محمود القاضى ليتكلم.. كما سمح للمستشار ممتاز نصار بأن يتكلم.. بل حاول إقناع السادات بعدم إسقاط العضوية, فتم اتخاذ قرار إسقاط العضوية إستجابة لرأى السادات.. وعندما أوشكت دورة المجلس على الانتهاء.. فوجئ سيد مرعى بأن المعارضة تعلن تمسكها باستمراره.. أكد ذلك خالد محيى الدين.. كما قال الدكتور محمود القاضى.. وتحدث عدد من نواب الأغلبية لتأكيد احترامهم له..
بعد الجلسة.. إتصل سيد مرعى بالرئيس.. أبلغه بما حدث فى الجلسة, وسأله عن رأيه فى نشر ما قيل بالصحف!!.. أجاب السادات.. لماذا لا ينشر؟!.. وعندما حان وقت انتخاب رئيس المجلس لدورة جديدة.. دعا السادات أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى فى استراحة القناطر.. دعاهم إلى أكلة شعبية هى الفتة باللحم المسلوق.. ثم أعلن بعدها عن اختياره للدكتور مصطفى خليل رئيسا للوزراء.. وقال أنه يرى أن رئاسة مجلس الشعب, تحتاج إلى أستاذ قانون وهذا يتوفر فى الدكتور صوفى أبو طالب!! لم يعترض أحد”!!