منوعات

جمال الموجي يكتب : الأراجوز في حياتي

الأراجوز …..تلك الكلمة الساحرة التي يعشقها الطفل علي مر الحقب ..في الماضي عندما كان يتصدر الفرجة الشعبية … كانت الارهاصة الاولي للمسرح المصري مع الفارق الادبي والتقني.

الأراجوز وخيال الظل ظهورا قبل بدايات المسرح والسينما في مصر ..لذا كان الاقبال عليهما شئ طبيعي . فهي فنون مثيرة للخيال والدهشة .

وبالطبع مع ظهور السينما والتليفزيون بدأ الضوء ينحصر عنهما ويقل الاقبال عليهما ولكن لم يفقدا الاعجاب بهما ابدا في عام 1954 كنت طفلا في العاشرة من عمري اقطن في احد الاحياء الشعبية (حوش قدم بالغورية ) كان هناك احد الحواه يعمل في الصباح علي ناصية الغورية شارع الأزهر يقدم العرض المشهور للحواه في كل الاحياء الشعبية في ذلك الوقت يبدء في الصباح (خمسة يكتفوني ) عندئذ يندفع اشد المتسابقون قوة ليتسابقوا علي ربط جسم (عم نعمان ) النحيل الذي هده الزمن وشرب الدخان والكفاح من اجل لقمة العيش الحلال وكنت اكافح انا ايضا الزحام من اجل الفرجة المدهشة لاكسر الدائرة المرسومة بالمشاهدين وادهش من هذا الرجل الهش (عم نعمان ) الذي ينساب منه القيود والاغلال الحديدية في لحظات لينال التصفيق والاعجاب وكنت فخور به فهو ابن حارتنا وامه (ام عزيزة )صاحبة الضحكة الرنانة والتعليق اللاذع الذي يبهجنا جميعا .

كان (عم نعمان )يلملم القروش الزهيدة من اناس قلائل في دائرة المتفرجين التي تنفض منها الغالبية عند لم النقود ..ونراهم وكانهم يبحثون عن شئ خلف كل منهم .

ويتركون الرجل ينظر في كفه ثم يقفله ويقبله ويدقه علي جبنه المحروق واسمعه يقول (نعمه واللي ينكرها يعمي ) ويتكرر هذا المشهد مرتان او ثلاث في اليوم الواحد حسب التساهيل ورضا اهل الشرطة عن الرجل ….ويختفي (عم نعمان )باقي النهار او نراه في بعض الاحيان علي قهوة (الحاج احمد عاشور ) يلعب الورق ويحتسي شاي المعلم (نجرو ) او (نهرو )كما يحلو لاخي الاكبر (سعد الموجي )ان يسميه رفعة لشأنه واعترافا بفضله في صنع احلي كوب شاي وعند الغروب نجد (عم نعمان) رجلا اخر يستأجر دكان في (بيت الشعبيني ) (هامش في اسفل الصفحة بيت الشعبيني هو بيت في اول عطفة حوش قدم بالغورية ملك لعائلو الشعبيني وكان يقطنه (الشيخ امام )والشاعر (احمد فؤاد نجم ) والفنانين الفطرين (محمود اللبان ) (محمد علي )
لايتعدي مساحته ثلاثون مترا ليعرض فيها لاطفال الحي بين صياحهم وسرورهم بما يرونه ويحفظونه عن ظهر قلب مشاهد فكاهية متنوعة بطلها الاساسي ( الأراجوز ومعه زوجته والشاويش والبواب والفتوة والشحات )تتخللها بعض الاغاني الشعبية الفكاهية وينهيها بعرض بسيط خلاب من عروض خيال الظل (ابيض واسود ) .

وكنت من شدة اعجابي بهذة الفرجة الشعبية ادفع مصروفي اليومي لحضور حفل او اتنين علي الاكثر وكان المصروف (قرش تعريفة ) اي خمس مليمات وتتكرر نفس الاحداث يوميا ولا امل من الفرجة علي (الاراجوز ) لكني اعاني من ضياع مصروفي كان عم (نعمان) يعلن عن بدء الحفل بالنقر علي طبلة الترومبيت فجائني الحل لماذا لا اعرض عليه ان اعمل معه ؟ عازفا علي الترومبيطة نظرا لاجادتي ذلك حيث كنت عضوا في فريق موسيقي الكشافة بنادي الدرب الأحمر.

ولكي اشبع شغفي بهذا الفن ووافق عم (نعمان ) حتي يتفرغ لاعداد عرائسه قبل العرض وبهذا توفر المصروف وتوفرت الفرجة ….لاشك ان الاراجوز وخيال الظل كانوا البداية التي شكلت وجداني واحساسي الفني والولوج لعالم المسرح الي ان تخصصت في فنون مسرح العرائس.

ولا شك ان الأراجوز احد العناصر الشعبية التي يمكن تطويرها لعمل تنموي نظرا لتواجدي لاكثر من خمسون عاما في ميدان مسرح العرائس وفنونه ومحاولة الوقوف علي نشأة هذا الفن في مصر خاصة والعالم عامة ومحاولاتي كمصمم تشكيلي للعرائس ومخرج لعروضها ان اسهم باستلهام الفنون الشعبية المصرية في الاعمال التي ساهمت في تجسيدها علي مسرح القاهرة للعرائس … لن اتطرق لتاريخ (الاراجوز ) وانبثاقه من فن المخايلة المصري او فن( القراقوز التركي )ومابينهما من صراع ظهور احدهما قبل الاخر …..

لكني هنا في المقام الاول احاول ان استخدم الأراجوز وتطوره لفن العرائس في عمل تنموي ضمن السياسة التنموية الثقافية للدولة لايخفي علي احد تعلق الوجدان الشعب بالاراجوز ومدي تأثيره علي الاطفال والكبار وهو احد فنون الفرجة الشعبية والتي يمكن من خلالها بث بذرة التغير الثقافي بنبذ القيم الاجتماعية المتوارثة السلبية وتغيرها لقيم اجتماعية ايجابية ولكي ندفع بعملية التنمية من خلال الاراجوز وفن العرائس يستلزم ذلك الاجراءات التي تستهدف تحقيق هذة التنمية .

والفكرة في الاساس هي استخدام العرائس في نشر افكار جديدة وبصورة جماعية من خلال الترفيه ومشاركة الجماعة الشعبية في عمل جماعي يبرز الطاقات الكامنة داخلهم وفي نفس الوقت يفيد تلك الجماعات الشعبية ومنهم لاعبي الاراجوز اقتصاديا كما نستهدف اكبر تجمع من ابناء المجتمع ليكون اكثر ايجابية في المشاركة بالحياة العامة …

ولكي نحقق ذلك يمكن من خلال نشر فكرة مسرح العرائس المتنقل او الثابت في كل قرية مثلا وذلك باختيار عناصر بشرية تملك الموهبة والقدرة علي التعامل الجماعي في صورة ورشة مسرحية عرائسية ولقد قمت بتجربة منذ سنوات مع مجموعة من الشباب والشابات ذوي ثقافات مختلفة واحياء وقري مختلفة ايضا وكان مكان التجمع (قصر ثقافة الاسماعيلية).

وكنت في البداية اعلمهم كيف يصنعون العروسة وتطرق الحديث لاستخدام خامات البيئة المتوفرة لديهم دون التقيد بالعروسة التقليدية او خاماتها التي تحتاج لمهارات خاصة واعباء مادية يصعب توافرها عليهم واطلقت لهم العنان في التصرف والتفكير والابداع وضربت لهم مثالا عمليا بان اخذت بعض زجاجات الماء البلاستيكة الفارغة والتي كانت امنامنا وصنعت لهم عروسة تؤدي نفس ماتقوم به العروسة الخشبية المتقنة وتفجرت فيهم ينابيع الابتكار وعملوا جميعا كفريقا واحد فمنهم من قام بالتأليف ومنهم من ألف الموسيقي المناسبة للموضوع وصمموا ونفذوا العرائس والديكور بتلك الخامات البسيطة وزاد حماسهم بعد ان تجاوب معهم جمهور المشاهدين وابدي من هم سكان القري رغبتهم في نشرة الفكرة والاسلوب في قراهم واجد في عيونهم انهم فاعلون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى