عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد النعيمي: 845 ـ 927ھ = 1442 ـ 1521م، صاحب كتاب:”الدارس في تاريخ المدارس”.
نتجول معاً بين أسطر التاريخ الدمشقي الذي يؤصل مراحل نشأة “النهضة العلمية الدينية الثقافية” لمدينة دمشق عبر التاريخ.
وذلك من خلال قراءتنا المتبصّرة لسيرة مؤرخ دمشقيّ أرّخ ازدهار وتألق الحياة الفكرية لمدينة دمشق، “مدينة العلم والعلماء”، في كتابه الشهير”الدارس في تاريخ المدارس“، والذي يعد من الكتب الموسوعية التي تذكرها المؤسسات التعليمية الكثيرة في مدينة دمشق، فيحصي المؤلف عدد المدارس بأنواعها على مر العصور، من دور القرآن الكريم، والحديث الشريف، والزوايا والتّرب، وأهم المساجد، ومن ثم جاء تلميذه ابن طولون المتوفى 951ھ بكتابه الشهير”القلائد الجوهرية”، يحكي ويوثق تاريخ “حي الصالحية” بأسلوب جديد متأثراً بأستاذه الشيخ عبد القادر النعيمي …
الشيخ النعيمي، مؤلف كتاب “الدارس في تاريخ المدارس”
إنه مؤرخ دمشقي محدّث عصره .. سار وسار فوق تراب دمشق بودّ ووقار يتلمس علماً نافعاً أو عملاً صالحاً، ليُفيد بعد أن استفاد من عِلم العلماء الأجلاء الدمشقيين، فما الحضارة إلا نتيجة تفاعل مستمر لجهود الناس مع إرث مَن مضوا، فهيا نمضي معاً ونتعرف من هو النعيمي؟ وفي قلوبنا شعلة وضّاءة لا تخبو تبحث وتسأل، تدفعنا سِير الصالحين لتعلم أن كيف يكون الإعمار والخلافة فوق أرض الله؟ فلنقرأ ونتفكر…
ولد في دمشق في عام 845ھ، فهو دمشقي المولد والنشأة والوفاة، برع بعلمي الحديث والتاريخ، وتأثر بمؤرخي دمشق الشام الذين شغلتهم أحاديث المصطفى العدنان عن الشام ودمشق أمثال: ابن عساكر صاحب كتابه الشهير”تاريخ دمشق”..
من مؤلفاته:
الأشهر:”الدارس في تاريخ المدارس”، الذي اشتهر بعدة أسماء كـ (تنبيه الطالب وإرشاد الدارس فيما بدمشق من الجوامع والمدارس) و (الدارس بتواريخ المدارس)، والذي يعد من أجلّ الكتب التي ألفّت عن دمشق، ومصدراً هاماً لدراسة التاريخ العمراني للمدينة، وأيضاً “تذكرة الإخوان في حوادث الزمان”، و”التبيّن في تراجم العلماء والصالحين”، و”العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان” ،و”القول المبين المُحكم في إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم”، و”تحفة البررة في الأحاديث المعتبرة”، و”إفادة النقل في الكلام على العقل”، وغيرها من الكتب.
اختصر كتابه الموسوعي مؤرخون كبار: ابن طولون والشيخ عبد الباسط العلموي ومحمود بن محمد العدوي، والبقاعي من مؤرخي القرن الحادي عشر، ثم عبد القادر بن بدران وغيرهم، وإن هذه المختصرات تدل على أهمية “الدارس في تاريخ المدارس”.
وقد كان أسلوب النعيمي مميزاً، حيث رصد أماكن المدارس بمواقعها، ثم ذكر اسم بانيها وأسماء المدرّسين الذين تعاقبوا فيها للتدريس، وقدّم معلومات هامة حول أوقاف كل مؤسسة وما آلت إليه في عصره، ثم ذكر أسماء دور القرآن والحديث، والخوانق، والرباطات، والزوايا، والترب، والمساجد والجوامع.
شيوخه:
تلقى النعيمي عناية ورعاية دينية علمية محفوفة بسلوك محمدي من قبل والديه، ثم جاء دور مجالسه التي تعلق بها، مجالس العلم والدين الرشيد، على يد شيوخه: ـ ابراهيم الناجي شيخ المحدثين، ـ زين الدين عبد الرحمن بن خليل، ـ زين الدين خطاب الغزاوي، ـ زين الدين مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي… وغيرهم.
تلاميذه:
تتلمذ على يديه ابن طولون الصالحي المتوفى عام 951ھ، صاحب كتابه الشهير: “القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية”، والذي جاء مهتدياً بمن سبقه من العلماء، فرصد وعاين تاريخ الصالحية وما مر بها من أحداث من خلال عرضه لأماكنها وأوابدها ضمن إطار تاريخي.
وفاته:
توفي في دمشق سنة 927ھ، ودُفن في مقبرة الحِمرية بمحلّة الشويكة، والشويكة: محلّة في دمشق جنوب باب سريجة كان اسمها (بوابة الشويكة)، ثم اختصر إلى الشويكة، وقد قال عنها البدري في كتابه “نزهة الأنام”: (مقبرة الحمرية بها المرحومون من الأولياءوالصالحين…).
وفي الختام، نأتي على أمر هام وهو: ماذا نستفيد مما قرأنا في سيرة النعيمي؟
لقد عشق النعيمي بلاد الشام وبلادنا العربية والاسلامية ، فاجتهد ليلزم أدب هذا العشق بالبحث المستمر في ثنايا القلب والروح عن سرّ ذلك الإنسان الذي يتفاعل مع مكونات الأرض ومواردها باحثاً سائلاً ذاته عن مقصد الله في خلقه: “و ما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون”، وإن من لوازم العبادة الاجتهادُ في إيجاد منفعة غيرنا قبل أنفسنا لتستمر الحياة وسلطان ومحبة الله جلّ وعلا مهيمن على قلوبنا … فهلّا أدركنا وتبصّرنا؟