منوعات

أحمد الشهاوي يكتب : الأرض .. وبذور سامة!!

الأرض مبذورةٌ ببذورٍ سامة ، حيث حدث ذلك خلال سنواتٍ طويلةٍ من التمهيد والحرث والري والرعاية ، وصرف السماد ودفع الكُلفة ، حتى صارت الأرض رحمًا أسود قادرًا على ولادة زروعٍ ، ليست ذات أشواكٍ فقط.

لكنها زروع تميت من فرط سُمِّيتها ، و كثرتها وانتشارها ، حتى يظن المرء أنها القاعدة وليست الاستثناء ، ولأنه تم إهمال تلك الأرض ، إذ تُركت البذور مدفونةً ، وسُمح لها – تحت الشمس الواضحة – أن تتكاثر وتشكِّل أدغالا وغاباتٍ كثيفة ، حتى صار الناس يخشون على حياتهم من هذه النباتات ، ولم تعد تخلو أرضٌ من سُمومٍ تقتل وتدمِّر ، وليس فقط تقضي على الأخضر واليابس .

ولن ينتشل هذه الأرض وينصرها ويصونها ويدفع عنها القتلة الغُلاة إلا من يعرف قيمتها وقامتها وموقعها وتاريخها بين الأمم ، وجغرافيتها السياسية ، وهو المثقف المستنير الذي لا يكتب من خلف تيارٍ أو مُعتقدٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ ؛ ليستعيد الأرض من سارقيها ، ويسترجع الدين من خاطفيه ، ويُرْجِع ما نُهب وأُتلف وضاع تحت سيوف إغماض العيون ، وتراكم الإهمال ، وضعف النفوس ، والثقة العمياء في أن أهل الدين هم أهل السماء ، وغيرهم هم أهل الفسق والكفر والفجور .

وخيال المآتة الموجود في قلب الأرض لا يمكن وحده حراستها من التهجُّم عليها وسرقة روحها تدريجيًّا ، إذ لابد من أساليب كثيرة لمعالجتها وتقليبها وتطهيرها وتنقيتها ، وإعادة زراعتها ، والاعتناء بها ورعايتها ، ومتابعتها وسقيها بشكل مستمر ، واضعين في الاعتبار أن لاشيء ينبت هكذا من دون إعداد وتنظيم واهتمام خاص .

ومن يرعى السُّموم ويبيعها ماثل أمامنا ، ويتحرك جهارًا نهارًا ، وليس تحت ستار من الليل ، ومن فرط عدم أخذ موقف حازم صارم منه ، تغوَّل وطالت يداه ما هو متفتح ومشرق ومنير في حياتنا ، فلا توجد أرض سامة تبشِّر بالجنان – حيث حور العين والغلمان المخلدون – ، إذ لم يعد يُعقل أن يكون الغُلو هو القمح الذي تنتجه الأرض كل يوم ، إذ سُقيت بماء التكفير ، ونما زرعها بتأثير سماد التشدُّد والتسلُّف الذي يعتمد التطرف دستورًا له .

ففي القرى البعيدة والنجوع النائية سيطرت الخرافات والخزعبلات والأضاليل والفتاوى ، التي لا تستند إلى كتاب الله ، وساد الفهم التكفيري ، والتفكير الإقصائي بين الأسرة الواحدة ، وصار التشدُّد مهيمنًا على كل مناحي الحياة ، إذ لم يجد الناس في هذه المناطق فكرًا مغايرًا مستنيرًا ، حيث أجبر السلفيون المتعصبون أهاليهم على عدم ممارسة قائمة مطولة من السلوكيات منها مثلا عدم إقامة الموالد أو ممارسة الطقوس الصوفية ،والتي لا تعرف تكفيرًا ولا تشدُّدًا ، بل هي إلى النور والإشراق أقرب .

فكيف يمكن لنا – إذن – أن نحارب الكراهية والتمييز الطائفي والتشدُّد الذي بات يُفرِّق ويُفتِّت ويقسِّم ليس الوطن الواحد فقط ، ولكن الأسرة الواحدة ، خُصوصًا ونحن نعيش ( أزهى عصور نبذ من يختلف معنا وعنَّا ، ومعنى ذلك أن التفرقة ضربت أصغر كيانٍ وهو العائلة الصغيرة ، التي من المفترض أن تكون متماسكةً متعاضدةً كالبنيان المرصوص ، وعلى الجميع أن يعمل بحب وعقل على انتشاله من التشدُّد الذي بات يتهدَّده يومًا وراء آخر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى