أولا : يظن بعض الناس أن الضحك يتعارض مع الانشغال بهموم الدين ، وأمور الدعوة ، وأن الداعية ، أو المتدين لا يصح منه المزاح مطلقًا ، بل تصوره الأعمال الفنية على أنه متجهم دائمًا ، أو على الأقل جادٌّ في كل أوقاته ، لا يكاد يعرف عن الترفيه المباح شيئًا .
وهذا مجانب للصواب ، فليس أحد أكثر اهتمامًا بالدعوة من ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ولا يوجد من تتعدد لديه الواجبات كما تعددت لديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومع ذلك كان يمازح أصحابه ، ويلاطف نساءه ، بل لم تمنع هيبتُه أصحابَه من ممازحته في حدود الأدب والإجلال لمقامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
* ففي الحديث الشريف “أنَّ رجلًا أتى النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ فقال : يا رسولَ اللهِ احْمِلْني ، قال النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ : إنّا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ ، قال : وما أصنع بولدِ الناقةِ ؟! فقال النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ : وهل تلدُ الإبلَ إلا النوقُ ؟”
فالرجل يطلب من الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعيرًا يحمله فقال له : إنا حاملوك على ولد الناقة ، فتعجب الرجل من هذا القول ؛ لظنه أنه يقصد بولد الناقة الصغيرَ الذي يرضع ، وهو لا يصلح للركوب ، ولو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد ذلك لقال : فَصِيل
ولكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد التورية ليلاطف الرجل ، ويعطيه سؤله بابتسامة ووجه طلق .
* وفي غزوة تبوك كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قُبّة ـ وكانت صغيرة ـ فأراد عوف بن مالك الأشجعي ـ رضي الله عنه ـ أن يمازحه لصغر حجمها ، يقول عوف ـ رضوان الله عليه ـ : أتيتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك وهو في قُبّة من أدَمٍ ، فسَلِّمْتُ ، فردّ ، وقال : “ادْخُلْ” ، فقلت : أكُلِّي يا رسول الله ؟ قال : “كُلّك” ، فدَخَلْتُ .
أراد أن يمازحه في صغر حجم القبة فيقول : أأَدْخُلُ كُلِّي ؟
ثانيا : يعتقد بعضهم أن المرأة المتديّنة لا تعرف عن الدلال مع زوجها شيئا ، وأن هذا يتنافى مع وقارها ، وأدبها . وحيائها .
وهذا أيضًا مجانب للصواب ، فقد وصف الله ـ تعالى ـ نساء الجنة بـ “عُرُبًا أَتْرَابًا” .
قيل في تأويله : هن المُتحبِّبات إلى أزواجهن ، العاشقات لهم بالحلاوة ، والظرافة ، والملاحة .
جاء في تفسير القرطبي أن “عُرُبًا” جمع عَرُوب ، قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : العُرُب : العواشق المتحببات لأزواجهن .
وعن ابن عباس أيضا : العَرُوب ، المَلَقة
[المَلَقة : الصَّفاةُ الملساء]
وعن عكرمة أيضا : الغَنِجة .
[الغُنْجُ في المرأة : تَكَسُّر وتَدَلُّلٌ ، وهو ما تَتَغَنَّج به من عبارات ، وحركات تزيدها ملاحة]
وهي لغة أهل المدينة ، وأهل مكة يقولون : الشكلة .
فالعروب هي التي تبين محبتها لزوجها بشكل ، وغنج ، وحسن كلام .
وقيل : إنها الحسنة التبعل لتكون ألذ استمتاعا .
قال ابن القيم :
وهي العَرُوبُ بشَكْلها وبدَلِّها
وتحـبُّبٍ للـزوج كلَّ أوانِ
وعن بلال بن أبي بُرْدَةَ أنه قال لجلسائه : ما العَرُوبُ مِنَ النِّساءِ ؟ فَماجُوا ، وأقْبَلَ إسْحاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ النَّوْفَلِيُّ ، فَقالَ : قَدْ جاءَكم مَن يُخْبِرُكم عَنْها ، فَسَألُوهُ ، فَقالَ: الخَفِرَةُ ، المُتَبَذِّلَةُ لِزَوْجِها ، وأنْشَدَ :
يُعْرِبْنَ عِنْدَ بُعُولِهِنَّ إذا خَلَوْا
وإذا هُمُ خَرَجُوا فَهُنَّ خِفـارُ
والخفر : الحياء الشديد
فهن نساء مع أزواجهم ، ورجال مع غيرهم ، فعند أزواجهن أرَقُّ ما يكون وأنعمُ ما يكون ، فإذا خرجن فلا يستطيع أحد أن يقترب منهن فهن مصونات عفيفات .
وختاما أقول :
إن ديننا ليس دينَ العبوس ، والانقطاع عن الدنيا وحلالِ الشهوات ، ولكن كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحنظلة ـ رضي الله عنه ـ : “ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً”