ليس المثقف ببعيدٍ عن شؤون الحياة اليومية ، خُصوصًا وهو يرى العنف الديني قد صار قاسمًا مشتركًا بين الناس.
إذ لا تمر ساعة واحدة إلا وتقع حادثة في مكانٍ ما ، يكون التشدُّد والغُلو والفهم المغلوط للدين وراءها ، أو سببًا مباشرًا لارتكابها.
وقد صار تكرارها اليومي كأنها من ” ملح العيش ” المُر ، ولكن كيف يقوم المثقف بإرشاد وتوعية الناس عبر كتاباته وكتبه ، ونوع الإبداع الذي يمارسه ، وهو أساسًا مُهمَّش ومُهْمل ومُقْصَى عن لعب أي دورٍ فاعل في المحيط الذي يعيش فيه ، ولا تطلبه الدولة ، أوتلجأ إليه إلا إذا كانت في مأزقٍ ، وتريد منه أن يشاركها القضاء على مظاهر العنف والتشدُّد والغُلو الديني ، ولا يمكن لمثقفٍ في راهنٍ كهذا أن ينتج معرفةً ما ، إلا في ظل سيادة حريةٍ شخصية وكتابية لا سجن فيها ولا رقابة .
فنشر الوعي وتثقيف الناس ، يكون عادة – كما علَّمتنا دروس التاريخ المعاصر والقديم – من خلال الكتابة والمجابهة والمواجهة التي لا تخضع ولا تخنع ، وكذا نشر الكتب الجادة من دون مصادرةٍ أو حذفٍ ، أو فرض سلطاتٍ ما دينية أو غير دينية على ما ينتجه المثقفون من إبداعٍ وكتابةٍ ، وكشف المُزَيَّف ، وتعرية أصحاب الفتاوى الجاهلة ، والآراء الضالة والمعلومات المكذوبة ، وتسييد مبدأ الصوت الآخر المختلف الذي ليس صدىً أو تابعًا لأحدٍ ، إذ ينبغي أن يكون المثقف حُرًّا من كل قيد ؛ كي يواجه التشدُّد .
ولا يستطيع المثقف أن يعيش من دون أن يشرب ماء الحقيقة ويلتحف بغطائها ، ولذا نراه دائمًا عُرضةً للسجن والقتل في المجتمعات التي يتحالف فيها المستبد مع الفقيه ، فالمثقف المنتج لخطابٍ ثقافي حر سواء على مستوى الكتابة الإبداعية أو غيرها من أشكال الكتابة ، خُلق ليسأل وينتقد ويعترض ويدرك خطورة مد الجهل ، حيث اقترن ذكر الحقيقة بالفيلسوف والشاعر والنبي ، ومن ثم لا ينبغي فتح المجال لممارسة أي زيف مهما تكن درجته .