رأفت السويركى يكتب : من يعتقدون أنهم “أهل العلم”… يظنون أن القرضاوي الذي مات “أعلم أهل الأرض”(2)!!
الملف السياسوي لـ “يوسف القرضاوي الذي مات… ولا عزاء ولا شماتة!!” هو مكمن إشكالية ردود الأفعال المحمومة الراهنة في الفضاء الافتراضوي “فيسبوك وتويتر“؛ حيث ـ على سبيل المثال ـ هناك من جمهوره من أفرط في الادعاء بـ “أنه أعلم أهل الأرض”… وكأن القرضاوي الذي مات كان مُبْتَعَثَاً من السماء بعد أن “رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”.
وبموته فلنتخيل أنه لربما يرتفع من رمال مدفنه مرة أخرى للسماء؛ لأنه كما ادَّعى كان عليماً بخطاب الملائكة الذي قام بنقله بعد أن أَسرَّتْ بِهِ إليه حول “الأغا العثمانللي أوردوغان” فقال قولته المتبجحة: إن “الله وجبريل والملائكة وصالح المؤمنين يؤيدون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”… وهنا هو “مربط الفرس السياسوي” كما يُقال؛ وفي التدوينة السابقة استعرضنا خطاب القرضاوي الذي مات من دون عزاء أو شماتة!!
لا أحد ممن تناولوا خبر موت يوسف القرضاوي في الفضاء الافتراضوي كما كتبت في التدوينة السابقة قد قام بالتشكيك ـ على وجه العموم ـ فيما وصف بعلمه ومشروعه الفكراني؛ والذي يتغنى العقدويون بتفاصيله ووزنه، وتكتيكاته للتماهي مع التصورات الحافة بأساسات خطاب العقيدة ومرتكزاتها؛ والترويج لانتسابه لما يُسمى بالشائع وغير المدقق حوله باصطلاح “وسطية الإسلام”؛ وهو اصطلاح رائج ينبغي حقاً التأمل الدقيق حول دلالاته وتعبيراته.
فالاسلام كعقيدة هو “الإسلام كُلَّا واحداً”؛ ولا يوجد إسلام متقدم متشدد وإسلام متأخر مترهل وبينها ذلك الإسلام الوسطوي المنتسب له القرضاوي وفق تفكيك خطاب الاصطلاح. بل هو إسلام دستوره القرآن كتاب الله{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}.
لذلك فما يتعلق بالمشروع الفكري العقدوي للقرضاوي الذي مات وتعزف حوله الأناشيد والمدائح والمعلقات هو في حقيقته ـ هذا المشروع ـ لا ينفصل عن دوافع نسق الخطاب العقدوي المهيمن على الأمة منذ قرون وقرون والمحكوم بتصورات سياسوية يتغافل الكثيرون عن الاقتراب منها في إطار الحزبوية المهيمنة على وجدان الأمة الإسلامية منذ “حادث السقيفة”؛ وما استتبعه من انشقاقات وانفراط العقد إلى مربعات فرق السنة والشيعة والخوارج وما اندرج تحت غطاء خيماتها من فصائل ما أنزل الله بها من سلطان؛ مثل: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، والأشعرية والظاهرية والمرجئة والمعتزلة، والماتريدية والكرامية والأثرية، والجعفرية والدروز والزيدية والجعفرية العلوية والامامية الإسماعيلية والإباضية والأزارقة والأطرافية والبيهسية، والثعالبة والثوبائية والحارثية والحازمية والحفصية والحمزية والرشيدية والشيبانية والصالحية والصفرية والصلتية والعبيدية، والعجاردة والغسانية ؛…؛…. إلخ.
وإذا كانت “العامة” في الفضاء الافتراضوي وهي تعبر عن مواقفها من حادث موت القرضاوي لا تتعرض لفحوى مشروعه العقدوي؛ فإن بعض الخاصَّةُ من المنتمين والموصوفين بالعلماء ـ كاصطلاح فقهوي ـ تغنوا بمنتجه الفكراني ومؤلفاته؛ وهناك من أوسعوا مشروعه ضرباً تحت الحزام؛ وتمزيقاً وكشفا لخفاياه؛ وعواراته واعتلالاته وتناقضاته.
لذلك علينا أن نستدعي ونُذَكِّر الغاضبين من رعايا “كاريزما القرضاوي” ـ من المتأخونين الذين يًشهرون أخونتهم علانية؛ ومن يستترون ويخفون حقيقة انتمائهم لجماعة حسن الساعاتي البناء؛ وكذلك من خالفهم ويخالفهم في الموقف بتركيز تفاعلاته على انتقاد موقفه العقدوي ـ ومحاولته تقديم تصوراته حول العقيدة والتي يختبئ فيها السياسوي حتى وإن لم يكن مذكوراً بوضوح.
كما ينبغي أن نطلب من غير العامة كشف “الوجه الآخر” من الرؤية لحقيقة “خطاب العقيدة” الذي أشهره يوسف القرضاوي في كتبه العقدوية؛ وتبيان مدى اختباء موقفه السياسوي في متون خطاباته العقدوية، والذي كان يشهره في دعواته بتمرير الخطاب السياسوي لجماعته؛ “جماعة حسن الساعاتي البناء”؛ وهي تستهدف هدم الدول الوطنوية؛ وعقيدتها الإسلام؛ عبر الترويج لسيناريو “الربيع العبروي” متوهماً أنه بذلك سيعيد إحياء “متوهم دولة الخلافة”!!
لقد تعرض يوسف القرضاوي قبل موته لمواجهات فكرانية على صعيد خطاب العقيدة؛ سعت لكشف “المضمر” و”المخاتلات” و”المتمنيات” التي تحكم خطابه كعضو الجماعة البنائية والفاعل في أنظمتها مثل” الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”. وهي مواجهات يضيق المكان والمناسبة/ “موته” عن عرضها.
فهناك العديد من المراجع المهمة للغاية؛ والتي تولت تحليل الخطاب العقدوي الفقهوي لـ “يوسف القرضاوي” والرد عليه؛ وعلى من يرغب التعرف إليها فليتفضل بالتنقيب عنها في “الشبكة العنكبوتية” حسب المسميات التالية:
– الكتاب الأول: “القرضاوي في الميزان”، تأليف سليمان بن صالح الخراشي.
– الكتاب الثاني: “تعزيز الرد الكاوي لإسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي، تاليف أبي عبد الله شكيب السلفي.
– الكتاب الثالث: “رفع اللثام عن مخالفة القرضاوي لشريعة الإسلام”، تأليف أحمد بن محمد بن منصور العديني .
– الكتاب الرابع: “إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي”، تأليف مقبل بن هادي الوادعي .
– الكتاب الخامس: “الحق الدامغ للدعاوي في دحض مزاعم القرضاوي”، تأليف أبو محمد عبد الكريم بن صالح بن عبد الكريم الحميد.
إن شهادة “سليمان بن صالح الخراشي” في مفتتح كتابه “القرضاوي في الميزان”، تكفي لكشف مواقف شريحة من حاملي مُسمى العلماء؛ وهم يمارسون نقض خطاب القرضاوي؛ إذ يقول تحت عنوان”إخوانية القرضاوي وأشعريته”:
“القرضاوي كما علمنا من سيرة حياته أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين، وهذه الجماعة ـ كما هو معلوم ـ تتميز بميزة لا تجدها عند غيرها، هي التعصب المقيت لمؤسسها حسن البنا، فأفراد هذه الجماعة تجاوزوا بالإمام حد البشرية إلى حد الغلو، فأصبحوا يدافعون عن أخطائه الواضحة ويتأولونها، وتلمس في دفاعهم ادعاء العصمة له! وإن كانوا يقولون بخلاف ذلك، ولكن واقع حالهم يكذبهم، حيث الدفاع المستميت عن حمى الشيخ أن يمس، ولو بالحق، ونحن واجدون مثل هذا عند القرضاوي… إلخ”!!
وهذه شهادة عالم آخر هو مُقْبل بن هَادِى بنِ مُقْبِلِ بنِ قَائِدَةَ الهَمْدَانى الوادعِى، في كتابه “إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي” يقول فيها: (فإن مما ابتليت به الأمة فى هذه الأزمان ظهور أقوام لبسوا رداء العلم مسخوا الشريعة باسم التجديد، ويسّروا أسباب الفساد باسم فقه التيسير، وفتحوا أبواب الرذيلة باسم الاجتهاد، وهونوا من السنن باسم فقه الأولويات، ووالوا الكفار باسم تحسين صورة الإسلام، وعلى رأس هؤلاء «مفتى الفضائيات» يوسف القرضاوى)!!.
شهادتان فقط من عديد الشهادات في المؤلفات نقدمهما أنموذجاً للدلالة على أصل الحكاية حين يظن بعض من يعتقدون أنهم “أهل العلم”… أن القرضاوي الذي مات “أعلم أهل الأرض”!!