يوم القيامة يوم تنعيم ، وإنعام .. وليس فقط للتعذيب ، والانتقام .. كم أود أن أسمع من خطبائنا وواعظينا بيان الوجه الآخر ليوم القيامة.
نعم ربنا ـ سبحانه ـ قال عنه : “فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ”
ولكن :
* لماذا نقف هنا ؟ لماذا لا نكمل : “عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ” ؟
فقد ذكر ربنا أن الوعيد فيه للكافرين ، مما يعني أنه بشارة للمؤمنين ، وأنه سيكون سهلا عليهم .
* لماذا عندما نذكر قوله ـ جل شأنه ـ واصفا حال المشركين العاصين : “وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ” لماذا لا نذكر قوله عن المؤمنين الطائعين: “وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ”؟
ولا قوله : “لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ”
وأن الملائكة تكون في استقبالهم
“وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ” ؟
* لماذا نذكر أن قوله ـ عز من قائل ـ عن طول ذلك اليوم [في قول بعضهم] : “فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ”
ولا نذكر أن هذا بالنسبة للكافر ، وأما المؤمن ـ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا ؟
أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : “يومُ القيامةِ كقَدْرِ ما بين الظهرِ والعصرِ” ؟
* ولماذا نذكر دنو الشمس يومَ القيامةِ من الخلقِ ، حتى إن بعض الخلائق يلجمه العرق إلجاما .
ولا نذكر أن هناك من يكون في ظل عرش الرحمن ؟
دعاتنا الأفاضل أهوال يوم القيامة شنيعة ، أهوال تجعل الولدان شيبا ،
ولكننا نحتاج أيضا تذكيرنا بالوجه الآخر بما فيه من نعيم ، وسرور ، وتمام فرحة فربما يكون الأمل أنفع لنا من اليأس فبشرونا بالسرور :
** حين يؤتى المؤمن كتابه بيمينه فيرفعه مناديا متباهيا : “هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ”
** حين يجد المؤمن نفسه مع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ “يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ”
** حين يجد الطائع نفسه “مَعَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّيِّنَ وَٱلصِّدِّیقِینَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَٱلصَّالِحِینَ”
** حين ينظر المؤمن فيجد ذريته حواليه كما وعد ربنا في قوله : “أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ”
** حين يتحقق وعد ربنا ـ سبحانه ـ :
“جَنَّتُ عَدۡنࣲ یَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤئهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّتِهِمۡ”
** حين يتحقق ما أعد الله ـ تعالى ـ فيماأخبر به نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ : “إنَّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها”
وفي الختام :
أذكركم أحبابي بقوله ـ عزّ من قائل ـ : “وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ”
ليتكم أحبابي تبشرون الناس بفضائل الله على عباده الطائعين في هذا اليوم حتى يحبوا العمل لها ، وكما يمتنعون عن المعاصي رَهَبًا ، يسارعون في الخيرات رغبا .