ذكر البنك الأفريقي للتنمية، أن الحد من التضخم كان الهدف الرئيسي للسياسة النقدية في العديد من دول شمال أفريقيا ولا يزال يشكل تحديا كبيرا، مشيرا إلى أن في عام 2022، اختلفت العوامل المحركة للتضخم، ولكنها شملت عموما ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وخفض العملة وقيود جانب العرض، والتي نجم عنها تضخم اقتصادي في جميع دول شمال أفريقيا زاد بشكل ملحوظ، مما أدى إلى متوسط إقليمي قدره 8.2 في المائة في عام 2022، مقابل 4.6 في المائة في عام 2021، والمتوقع ازدياده إلى 14.2 في المائة في عام 2023.
وأضاف البنك الأفريقي- في تقرير صادر، اليوم الجمعة، بعنوان “التوقعات الاقتصادية لشمال أفريقيا 2023… تعبئة تمويل القطاع الخاص للمناخ والنمو الأخضر في أفريقيا”- أن التأثير التضخمي للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لم يكن مفاجئا، حيث يشكل القمح حصة كبيرة من واردات المنطقة، وللتخفيف من تأثير الضغوط التضخمية، رفعت جميع دول شمال أفريقيا، باستثناء الجزائر وليبيا، أسعار الفائدة في عام 2022 واتجهت إلى التخلي عن السياسة النقدية التوسعية والاتجاه إلى تقييد السياسة النقدية.
ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم كان موضع جدل بشأن مدى ملاءمته، حيث رأى بعض الخبراء أن هذه السياسة النقدية لم تكن ذات صلة حيث إن معظم التضخم مستورد.
ومن ناحية أخرى، ألقت خيارات السياسة النقدية الأكثر تقييدا بثقلها على الاستثمار وبالتالي على النمو؛ ففي الجزائر وليبيا المصدرتين للنفط، تم الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير بفضل استعادة إنتاج النفط والعائدات ذات الصلة.
وفي مصر ارتفع سعر الفائدة لدى البنك المركزي من 9.25% في مارس 2022 إلى 18.75% في مارس 2023.
ونفذ البنك المركزي المصري، تخفيضات تدريجية لسعر الصرف، من أجل الانتقال إلى مرونة دائمة لنظام سعر الصرف في 27 أكتوبر 2022، وأدخل تغييرات على بعض السياسات الرئيسية في عام 2022 لمعالجة العجز التجاري المتزايد، وتدفقات رأس المال الخارجة، وما تبعها من انخفاض الاحتياطيات النقدية الأجنبية.
وفي موريتانيا؛ قرر البنك المركزي رفع قيمة الفائدة بمعدل 100 نقطة أساس ليصل إلى 8 بالمائة في ديسمبر 2022.
وظلت معدلات التضخم كما هي، ومن المتوقع أن ترتفع من 9.6 في المائة في عام 2022 إلى 10.4 في المائة في عام 2023.
وتواجه الدولة قيودا في جانب العرض في القطاعات الرئيسية مثل الغذاء والطاقة، بينما أدت سياسة التوسع النقدي في عام 2021 إلى نمو الائتمان المتسارع في عام 2022، وأدى هذا إلى تفاقم الضغط التضخمي، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والغاز.
وبهدف كبح جماح تصاعد التضخم، شددت موريتانيا السياسة النقدية في عام 2022.
وفي المغرب، ارتفع سعر الفائدة الرئيسي من 1.5 في المائة في أوائل سبتمبر 2022 إلى 3 في المائة في مارس 2023، وارتفع المعدل من 6.75% في أبريل 2022 إلى 8 في المئة في يناير 2023.
وبالنسبة إلى المغرب، الذي شهد أدنى معدلات التضخم في المنطقة في السنوات الأخيرة مسجلا 1.4 في المائة فقط في عام 2021، فقد سجل قفزة في عام 2022 وصلت إلى 6.6 في المائة، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.4 في المائة في عام 2023.
وتبنى البنك المركزي في المغرب استراتيجية حذرة تجاه السياسة النقدية، مع الحفاظ في نفس الوقت على موقف تكيفي.
وبالنسبة إلى الجزائر، فمن المتوقع أن تخفض الفائدة إلى 7.7% في عام 2023، إذ شهدت معدل تضخم مرتفع نسبيا بلغ 9.3% في عام 2022 متأثرة بالتضخم المستورد أيضا، واتباع السياسة النقدية التي دعمت تعافي النشاط الاقتصادي والتمويل النقدي لعجز الميزانية.
وفي ليبيا، من المتوقع أن يظل التضخم مستقرا ومنخفضا عند حوالي 4.5 في المائة من 2022 إلى 2024، على الرغم من الانخفاض الطفيف في قيمة العملة في عام 2022، وعدم الاستقرار السياسي والقيود على جانب العرض، والقدرة المحدودة للسلطات على معالجة التضخم.
واعتبارا من يناير 2023، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن عملية توحيد مصرف ليبيا المركزي، حيث ينفرد فرعه الشرقي بالتأثير في السياسة النقدية والمصرفية للبلاد، وبقي سعر الفائدة دون تغيير عند 3 في المائة في عام 2022.
إلى ذلك، عانت تونس من التضخم، مع معدلات تصل إلى 8.3 في المئة في 2022، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 9.2 في المئة في 2023.
وبالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم، أدى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض النمو الاقتصادي إلى تدهور جودة محافظ القطاع المصرفي وصنفت المخاطر السيادية التونسية عند معدلات CCC + بواسطة Fitch و Caa2 من Moody ’s.
وإجمالا، أوضح التقرير أن آفاق السياسة النقدية في دول شمال أفريقيا ستتأثر بالحاجة إلى تحقيق التوازن تجاه مخاوف النمو والتضخم.
وأشار إلى أنه يمكن للسياسات النقدية التوسعية أن تعزز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحفيز الاستثمار ولكنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى ارتفاع التضخم.
وذكر أنه يمكن للسياسات الانكماشية أن تساعد في عام 2023 في معالجة التضخم، واستقرار أسعار الصرف، وجذب الاستثمار الأجنبي، ولكن يمكن أن تؤدي أيضا إلى انخفاض النمو الاقتصادي.
وانتهى التقرير إلى أنه مع التضخم العالمي المرتفع، ستحتاج دول شمال أفريقيا إلى التوفيق بين ضرورة مكافحة التضخم وهدف الحفاظ على معدل نمو مرتفع للناتج المحلي الإجمالي.