بنوك

البنوك المركزية الرئيسية في مهمة “مشددة” لاستعادة المصداقية

في صيف كل عام، ينظم البنك المركزي الأوروبي منتدى السياسة النقدية المرموق في سينترا بالبرتغال. يعد هذا الحدث أحد أهم مؤتمرات البنوك المركزية في العالم، حيث يجمع بين كبار الاقتصاديين والمصرفيين والمشاركين في السوق والأكاديميين وصانعي السياسات لمناقشة قضايا الاقتصاد الكلي طويلة الأجل.

منذ إنشائه في عام 2015، حظي المنتدى باهتمام كبير بسبب الخطب المؤثرة التي ألقاها كبار صانعي السياسات، مما يجعله ينافس مؤتمر جاكسون هول في جاذبيته للمستثمرين.

باعتباره حدثاً ينظمه البنك المركزي الأوروبي، فقد احتل المنتدى دائماً مكانة بارزة في جدول أعمال المستثمرين. ومع ذلك، كان اجتماع هذا العام ذا أهمية لا مثيل لها، حيث حضره شخصيات، مثل محافظي البنوك المركزية الكبرى كالبنك المركزي الأوروبي، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان. علاوة على ذلك، فقد جاء المنتدى في أعقاب فترة اضطرت فيها البنوك المركزية الرئيسية إلى اللحاق بالتضخم الذي فاق المستوى المستهدف، مما أدى إلى جولات من الزيادة الحادة في أسعار الفائدة لم تحدث منذ عدة عقود.

مع بدء تأثير الظروف النقدية المشددة على النشاط الاقتصادي، هناك الآن حالة من عدم اليقين بشأن ما سيحدث بعد ذلك: هل انتهت البنوك المركزية الكبرى من دورة رفع أسعار الفائدة؟ هل نتوقع “توقفاً” طويلاً عن تغيير السياسة النقدية؟ هل هناك خطط لإجراء تخفيضات في أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام؟

من وجهة نظرنا، تشير الرؤى التي تم الإفصاح عنها خلال الاجتماع من قبل كبار مسؤولي البنوك المركزية إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية: من المرجح أن تشهد أسعار الفائدة مزيداً من الارتفاعات، وسيستمر التباطؤ في النمو، وتستمر اليابان في كونها الاستثناء الأكبر فيما يتعلق بالسياسة النقدية.

أولاً، على الرغم من التوقعات في بداية العام حول تحول البنوك المركزية الرئيسية إلى اتخاذ موقف “مهادن” وخفض أسعار الفائدة مبكراً، إلان تشديد السياسة لا يزال هو النظام السائد اليوم بالنسبة للبنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا. لقد أثبتت الاقتصادات المتقدمة أنها أكثر مرونة مما كان متوقعاً في السابق وهذا يبرر مواصلة المسار الثابت من قبل السلطات النقدية. شدد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، على أنه بغض النظر عن “التوقف” الأخير في رفع أسعار الفائدة، فإن المزيد من الزيادات من المرجح أن يكون أمراً مناسباً. وبالمثل، أشارت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى أنه لا يزال هناك “عمل ينبغي إنجازه” على جبهة سعر الفائدة. وأبقى محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، على موقف “متشدد”.
 
ثانياً، أقرت السلطات النقدية بأن التباطؤ الاقتصادي الحاد أمر لا مفر منه وأكدت أن حدوث ركود طفيف أو ضعف معتدل لن يغير مسارها. على الرغم من أن جميع كبار المسؤولين امتنعوا عن التحدث مباشرة بشأن مدى استعدادهم لتحمل فترات الركود، أكد المحافظ بيلي على توقعات الركود السابقة لبنك إنجلترا، إلى جانب موقف البنك الثابت بشأن تشديد السياسة النقدية. علاوة على ذلك، اعترف الرئيس باول والرئيسة لاجارد باحتمال حدوث حالة ركود خلال الأرباع القليلة القادمة، مع التمليح إلى قبولهما بمثل هذه السيناريوهات كتضحية ضرورية لكبح استمرار التضخم المرتفع.

ثالثاً، يتخذ بنك اليابان موقفاً مختلفاً تماماً عن البنوك المركزية الرئيسية الأخرى. أشار محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، إلى أنه على الرغم من ارتفاع التضخم الأساسي، إلا أن مؤشرات ضغط الأسعار الأساسية مثل نمو الأجور لا تزال غير متوافقة بشكل كاف مع هدف بنك اليابان للتضخم طويل الأجل في اليابان. وتوقع حدوث تراجع قصير الأجل في التضخم، يليه ارتفاع في العام المقبل. مبيناً أنه فقط مع وجود دليل قاطع على حدوث هذا الأخير، سيشعر بالراحة في إجراء أي تعديل على سياسته النقدية المخففة.

بشكل عام، مع الاستثناء الملحوظ لليابان، قرر كبار المسؤولين من البنوك المركزية الرئيسية في الاقتصادات المتقدمة ارسال نبرة “متشددة” في منتدى سينترا. بعد البداية المتأخرة لدورات التشديد في العام الماضي، والتي سمحت بحدوث ارتفاع كبير في التضخم، لا تزال البنوك المركزية في مهمة لاستعادة المصداقية. ومن المرجح أن يدفعهم هذا الوضع إلى اختيار “التشديد” في ظل حالة عدم اليقين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى