عاجلعقارات

شركات التطوير العقاري تعيد رسم خريطة الأسعار والسداد.. و«الريسيل» يترنّح أمام سباق التسهيلات

بدأت شركات التطوير العقاري في مصر إعادة صياغة استراتيجيات تسعير الوحدات بهدف تنشيط المبيعات وضمان استمرار تدفق السيولة، في ظل تباطؤ الطلب وزيادة المعروض واحتدام المنافسة بين المطورين. وتسعى هذه الشركات إلى تحفيز عمليات البيع عبر تقديم خطط سداد مرنة وإعادة تقييم أسعار الوحدات بما يتوافق مع معطيات السوق الحالية، إلى جانب طرح حوافز تشجع العملاء على الشراء مباشرة من المطورين.

كما اتجهت بعض الشركات إلى تسريع وتيرة الإنشاءات وطرح وحدات شبه جاهزة، إلى جانب التعاون مع بنوك محلية لتسهيل التمويل العقاري، فيما طرح مطورون آخرون مشروعات جديدة بأسعار تتماشى مع استقرار العملة وانخفاض أسعار بعض مواد البناء خلال الفترة الأخيرة.

مؤشرات إيجابية وتصحيح للأسعار

وتشير تقارير شركات الاستشارات العقارية إلى مؤشرات إيجابية في السوق المصري، إذ تحدثت شركة “جيه إل إل” عن وجود حالة من تصحيح الأسعار في القطاع السكني، في ظل استقرار السوق والتراجع الملحوظ في التضخم مقارنة بالعامين الماضيين.

لكن هذه الإجراءات التي تبناها المطورون أثرت بشكل مباشر على سوق إعادة البيع أو “الريسيل”، حيث أصبحت التسهيلات التي يقدمها المطورون للعملاء الجدد، وتمديد آجال السداد لسنوات طويلة، منافسًا قويًا لسوق الريسيل، الذي يعتمد فيه البائعون على السداد النقدي لقيمة ما تم دفعه مسبقًا إلى جانب هامش ربح.

وأظهر استطلاع أجرته “العربية Business” وشمل 20 شركة تطوير عقاري مصرية حول الإجراءات المتبعة لتنشيط المبيعات، أن غالبية الشركات لجأت منذ بداية العام الجارى إلى تنفيذ سياسات متنوعة لدعم حركة البيع.

مرونة أكبر في السداد

وكشف الاستطلاع أن معظم الشركات اتجهت إلى زيادة فترات السداد، وخفض مقدم الحجز، بالإضافة إلى تقديم خصومات للعملاء الذين يسددون نقدًا، إلا أن هذه الأدوات لم تعد كافية في ظل انتشارها الكبير بين المطورين، خاصة داخل المناطق التي تشهد منافسة عالية. ودفع ذلك بعض الشركات إلى المشاركة في معارض وفعاليات خارجية لتعزيز المبيعات في أسواق جديدة.

وقال عبدالله سلام، الرئيس التنفيذي لشركة “مدينة مصر”، لـ”العربية Business”، إن الشركة تواصل اتباع استراتيجية متوازنة تهدف إلى تحفيز الطلب مع الحفاظ على القيمة المستدامة، وذلك من خلال تقديم منتجات متنوعة بأسعار تنافسية وخطط سداد مرنة، مع التركيز على المشروعات التي تحقق معدلات تنفيذ مرتفعة لتعزيز ثقة العملاء.

استهداف العملاء الأكثر نشاطًا

وأوضح أحمد العتال، رئيس مجلس إدارة شركة “العتال هولدينغ”، أن الشركة تعتمد استراتيجية تتسم بالمرونة في المبيعات، عبر توجيه منتجاتها إلى الفئات الأكثر نشاطًا في الشراء، وتسريع أعمال البناء لتوفير وحدات شبه جاهزة، إلى جانب تقديم جولات تعريفية داخل مشروعات الشركة لزيادة ثقة العملاء.

كما قال أحمد سمير الدسوقي، رئيس القطاع التجاري بشركة “ويلث القابضة”، إن الشركة تدرس تطبيق سياسات تسعير تشمل أنظمة سداد مختلفة وخيارات خصم للعملاء الجادين، بهدف تسهيل قرار الشراء دون الإضرار بجودة المنتج أو الالتزامات التطويرية.

ركود حاد بسوق الريسيل

وتشير بيانات السوق إلى أن سياسات المطورين خلال العام أثرت بشكل مباشر على سوق إعادة البيع، إذ باتت مدد السداد التي تمتد لسنوات طويلة حافزًا قويًا للعملاء لشراء الوحدات الجديدة بدلًا من وحدات الريسيل.

وقال عبدالرحمن أبوزيد، مدير أول المبيعات بشركة “تسكن” التابعة لشركة “ناوي”، إن مبيعات سوق الريسيل بالمشروعات الجديدة تراجعت بأكثر من 70% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة تبني بعض الشركات الكبرى فترات سداد وصلت إلى 12 عامًا أو أكثر.

وأضاف أبوزيد أن بعض المشروعات شهدت خلال العام الجاري تصحيحًا في الأسعار مع استقرار سعر الصرف، مقارنة بتقلبات عنيفة عاشتها السوق خلال عامي 2023 و2024، عندما ارتفعت أسعار الوحدات بسبب تذبذب العملة. وأوضح أن كثيرًا من العملاء اشتروا وحدات ريسيل بأسعار مرتفعة خلال تلك الفترة، ما يجعل إعادة بيعها اليوم أقل جاذبية، خاصة في ظل اشتراط الدفع النقدي.

بينما كشفت آية أشرف، الرئيس التنفيذي لشركة “عقار ماب مصر”، أن متوسط سعر المتر في سوق الريسيل انخفض بنحو 10% خلال العام الجاري على مستوى القاهرة الكبرى، موضحة أن خطط السداد في سوق الريسيل ما تزال أقصر بكثير مقارنة بالتسهيلات الكبيرة التي يقدمها المطورون في المشروعات الجديدة.

التسعير وفقًا لواقع السوق

وبيّن الاستطلاع أن 18 من الشركات المشاركة أكدت أنها اتبعت سياسات تسعير تعتمد على واقع السوق، خصوصًا في ظل استقرار سعر الصرف وتباطؤ التضخم، ما دفعها إلى طرح مشروعات جديدة بأسعار أكثر تنافسية مقارنة بالعامين السابقين اللذين شهدا تقلبات حادة في الأسعار نتيجة تغيرات العملة.

وقال ريمون عهدي، الرئيس التنفيذي لشركة “وادي دجلة للتنمية العقارية”، إن شركته تعتمد سياسة تسعير منضبطة تتيح للعملاء خيارات متعددة دون التأثير على معدلات التنفيذ، بهدف دعم المبيعات. وأضاف أن الشركة قدمت عروضًا ترويجية لفترات محدودة، وطرحت منتجات متنوعة من حيث المساحات وأنظمة السداد وخيارات التشطيب، بما يتناسب مع القوة الشرائية الحالية.

استهداف المصريين بالخارج

وكشف الاستطلاع أيضًا أن العديد من الشركات ترى في التسويق الخارجي عبر المعارض الدولية قناة فعالة لزيادة المبيعات، خاصة عند استهداف المصريين المقيمين بالخارج. وأوضح العتال أن شركته طورت منظومة رقمية متقدمة تشمل نظام إدارة علاقات العملاء CRM، وحملات موجهة للمصريين بالخارج، بالإضافة إلى إطلاق خدمات ذكية وتطبيقات تعزز تجربة العملاء وتزيد من معدلات التحويل.

التسليم في المواعيد عامل حاسم

وأكدت معظم الشركات أن الالتزام بمواعيد التسليم يمثل العامل الأكثر تأثيرًا في تنشيط حركة المبيعات، لأنه يعزز ثقة العملاء ويدفعهم لاتخاذ قرار الشراء دون الحاجة إلى حملات ترويجية كبيرة. وأشار عهدي إلى أن الشركة تتجه نحو التوسع المدروس في قطاعات الضيافة والأنشطة التجارية، إلى جانب الاستثمار في مفهوم “Club Town”، مؤكدًا أن نمو القطاع يعتمد على الانضباط المالي والقدرة الفعلية على التنفيذ وليس على حجم الإنفاق الإعلاني.

استقطاب العلامات التجارية العالمية

وأصبح التعاون مع علامات تجارية كبرى أحد الاتجاهات الحديثة التي تعتمد عليها الشركات لتسويق مشروعاتها، حيث يساهم وجود علامات عالمية متخصصة في تعزيز جاذبية المشروع ورفع قيمته السوقية. وأشار ثلث الشركات إلى أن اتفاقيات التشغيل مع هذه العلامات تمثل عنصرًا مهمًا في جذب العملاء، بينما أكد فريق آخر أن تنويع المحفظة الاستثمارية والتواجد في مناطق ذات طلب مرتفع يسهم بشكل أكبر في تحفيز المبيعات. وركز نصف المشاركين على أهمية المشروعات الفندقية للاستفادة من الطلب المتزايد والزخم السياحي الذي تشهده مصر.

دعم المبيعات بالتسويق الرقمي

كما لجأت شركات عدة إلى حملات التسويق الرقمي، والاستفادة من البيانات الضخمة والتطبيقات الذكية لتحليل احتياجات العملاء وزيادة الإقبال على المشروعات الجديدة. وأوضح الدسوقي أن شركته تطور أدوات ترويج متقدمة وتطلق مبادرات رقمية لدعم معدلات التحويل، مؤكدًا أن هذه الخطوات تعزز ثقة العملاء من خلال تحسين خدمات ما بعد البيع وتقديم حلول أكثر مرونة ووضوحًا.

التعاون مع البنوك لتمويل العملاء

وأخيرًا، اتجهت نسبة محدودة من الشركات إلى التعاون مع البنوك لتقديم برامج تمويل عقاري تسهل على العملاء شراء الوحدات. وقال دانيال دوس، عضو مجلس إدارة شركة Rock Developments، إن شركته وقّعت بروتوكول تعاون مع أحد البنوك لتوفير حلول تمويل طويل الأجل لمشتري الوحدات، بتمويل يصل إلى 80% من قيمة الوحدة ولمدة تصل إلى 15 عامًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى