منوعات

د. صابر أبوحامد يكتب: ليت الشباب يعود يومًا!!

قال أبو العتاهية :
ألا ليت الشباب يعود يوما ** فأخبره بما فعل المشيب
.
من على فراش وثير (وطيء ، لين ، ناعم) ينغص لذتَه المرضُ ، والحنينُ إلى أيام قسا فيها الفراش ولانت يد الأحباب أردد مع الشاعر قوله [ليس القائل أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ كما قيل] :
شيئان لو بكت الدِّماءَ عليهما ** عيناي حتَّى تؤذِنا بذهاب
لم تبلغا المعشار من حقَّيهما ** فَقْدُ الشَّبابِ وفرقةُ الأحباب
.
أولا : الصورة المصاحبة شاهدة على شرخ الشباب (أَوّله ، ونضارته ، وقوته) ، وقد ولى ولن يعود .
.
ثانيا : بيت أبي العتاهية رابع أربعة أبيات هي ـ كما في ديوانه ـ :
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني ** فـلـم يُـغْـنِ الـبُكـاءُ ولا الـنّـحـيبُ
فَـيـا أسَـفا أسِـفْـتُ عـلى شَبابٍ ** نَعـاهُ الشّـيبُ والـرّأسُ الخَضِـيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غَضًّا ** كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فـيَـا لَـيـتَ الشّـبابَ يَعُـودُ يَـوْما ** فـأُخــبـرَهُ بـمَـا فَـعَـلَ الـمَـشـيـبُ
.
ثالثا : تقول اللغة عن بيت أبي العتاهية : إن “ليت” معناها التمني ، وهو طلب ما لا يطمع فيه إما لكونه عسيرا ـ كقول الفقير : “ليت لي قنطارا من الذهب فأتصدق” ، وإما لكونه مستحيلا ، كما في هذا البيت .

وتقول ـ أيضا ـ : إن الفعل “أُخْبِر” منصوب بـ “أن” مضمرة بعد الفاء التي تدل هنا على السبب ـ أي إن المتسلط هنا على الفعل (العاملَ فيه) مضمرٌ لا يُرَى ـ
والمعمول في قوله : “فَعَل المشيبُ” (الفاعل) ظاهر ، وفي غير هذا الأسلوب يجوز إضماره ، بل يجوز حذفه .

وبعيدًا عن اللغة ، وانحدارًا إلى التخاريف :
أوحى إليّ البيت بأنه إذا تسلط غير الظاهر ، وظهر كل فاعل هو في الحقيقة معمول فالأمنيات مستحيلة .

وصعودًا إلى الوجه الآخر لمدلول “ليت” ـ وهو طلب ما في تحققه عسر ـ أقول : يبقى الأمل ، فقد يظهر المستتر ويُعَرَّى ، وينمحي ظاهر الزبد الطافي على السطح ، ويذهب جُفاء (متفرقا يرمي به السيل) .

 

الشباب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى