منوعات

مصطفى حامد يكتب : تصور لأنشطة العقل بين الوعي واللاوعي

لفت نظري بعض الاصدقاء، إلى أن هناك التباس فى تعريف مصطلح “اللاوعي”.. فالبعض يعتبرون ان اللاوعي هو اللاعقل أي محل الهلاوس.

بينما المقصود هو النشاط العقلي الذي يتم بعيدا عن الوعي ثم تخرج نتائجه إلى الوعي.. ولنضع معا تصورا لعمل العقل:

ولعلنا اولا نحتاج إلي تعريف الوعي لنعرف ما هو ليس منه .. الوعي هو نفسه نشاط عقلي وهو يختص برصد الواقع بالحواس ورصد الذات والانتباه والتذكر.

تذكر ما حدث.. وتذكر المعلومات التى جمعها عن الواقع وتذكر النتائج العقلية التي تنتج عن باقي انشطة العقل.. لكن الوعي نفسه لا يفكر، بل التفكير تقوم به انشطة أخرى.. تعمل بعيدا عن الوعي ثم تخرج نتائجها الى الوعي فيتذكرها ويسجلها.

وكل انشطة العقل بعد ذلك تعمل بعيدا عن الوعي ثم تخرج نتائجها الى الوعي ومن هذه الانشطة العقلية
النشاط العقلي اللغوي وهو اول ما يتعلمه الطفل ومن خلاله يمكنه التعبير والتفكير.

وهناك النشاط العقلي التحليلي الخاص بالتعامل مع منطق الواقع كما هو وهو ما نستخدمه في التعلم النظري وهذا النشاط هو ما نسميه عادة الوعي أو العقل الواعي.

وهناك النشاط العقلي السلوكي الذي يوجه السلوك، وهناك النشاط العقلي الجمالي وهو المختص بصنع الجمال الذي يرضي الذات، وهناك النشاط العقلي الابداعي، وهو المختص بابتكار تكوينات جديدة من مفردات الواقع.

إذن العقل كله يعمل بعيدا عن الوعي ثم يخرج نتائجه إلى الوعي.. لكن العملية تتم بسرعة فائقة فلا نشعر بها ولا ندركها الا بالتأمل والتحليل وهناك عنصر هام في كل ذلك هو الذات الإنسانية فمن وظائف الوعي الوعي بالذات أو النفس وهذه الذات هي التي تسعد وهي التي تتألم وكل انشطة العقل تخدم الذات فمثلا النشاط العقلي التحليلي يدرس الواقع ويخزن الخبرات.

وعند مواقف الاختيار يقدم للذات البدائل المقترحة لتحقيق سعادتها والذات “تقرر” وتطبق “الارادة” لتوجيه القدرات العملية للانسان لتحقيق سعادتها.

ومثال ذلك اختيار نوع التعليم اما النشاط العقلي السلوكي فهو يوجه القدرات العملية للانسان باساليب آخرى
مثل اسلوب المشاعر فمثلا هو يحدد الشخص الجدير بالحب ثم يصنع شعور الحب فتوجه الذات القدرات العملية للاستجابة لهذا الحب.

ونلاحظ أن النشاط العقلي التحليلي لا يفهم سبب الحب بينما النشاط العقلي السلوكى يفهمه فالنشاط العقلي التحليلي لا يفهم الا قوانين الواقع التى يكتشفها من خلال الملاحظة والبحث العلمي.

اما النشاط العقلي السلوكي فهو يدرك رغبات الذات ويمكنه اقتراح سلوك معين يحقق هذه الرغبات ويوحي به للوعي اما عن طريق المشاعر مثل مشاعر الحب أو الكره أو يوحي بالسلوك نفسه كسلوك السخرية الذي ينتقم للذات من الذوات الأخرى التى تتعالى عليها فالنشاط العقلي السلوكي يعمل من خلال نظام رمزي دقيق يحقق للذات وضعها الذي يسعدها بين باقي الذوات مثل رموز القوة فالذات تسعد بان تكون أقوى من الذوات الأخرى والقوة لها عناصر أو رموز مثل القوة البدنية او الجمال او الثروة أو الذكاء أو غير ذلك.

واذا انتقلنا الي النشاط العقلي الجمالي فإننا نجد أن الذات هي التي تستمتع بالجمال من خلال قوانين مركبة فيها وهذه القوانين مرنة ونسبية قد تختلف من بيئة الي اخرى ومن عصر إلى آخر والإنسان يجد الجمال في الطبيعة كجمال المرأة أو حمال الغروب أو جمال اصوات الطيور أو يقلد هذا الحمال عن طريق الرسم أو يصنع جمالا جديدا مثل جمال المباني أو الجمال الفني.

والأنشطة العقلية الجمالية تساهم في صنع ذلك الجمال بما تدرسه من قوانين الجمال عند الذات وهي القوانين التي لا يعرفها النشاط العقلي التحليلي فإننا نجد ايضا ان هذ النشاط العقلي يتذوق الجمال ويصنعه.

بينما النشاط التحليلي لا يمكنه فهم قوانبن الجمال حتى الان على الأقل فعلم الجمال لم يحل لغز الجمال حتى الان اى أن النشاط العقلي التحليلي لم يكشف قوانين الجمال ومع ذلك فنحن نشعر بالجمال ونستمتع به.

إذن النشاط العقلي الخاص بالجمال هو غير النشاط التحليلي والنقد الفنى أو الأدبي هو فرع من علم الجمال
وهو يحاول من خلال النشاط العقلي التحليلي ان يفسر جمال العمل الفنى أو الأدبي.. لكن هذا شبه مستحيل حتي الآن على الاقل فالنساط العقلي التحليلي لن يكتشف سر الحمال الكبيسي أو الفني الا اكتشف كل قوانين الذات وكل قوانين المخ وننتقل الى النشاط العقلي الابداعي وهو النشاط المختص بابتكار تكوينات جديدة غير مسبوقة من مفردات الواقع كتكوين الموسيقى من السلم الموسيقي وتكوين الشعر من الكلمات وتكوين اللوحة من الألوان وتكوين الخيال عموما.

ولعل هذا الجزء يعمل بطريقة الاحتمالات فيكون بسرعة فائقة ملايين التكوينات المحتملة ليصل الى التكوين المرضى للذات وارضاء الذات اي تحقيق تكيفها مع الواقع.

والنشاط العقلي التحليلي لا يمكنه صناعة هذه التكوينات الا بالاستعانة باجهزة كمبيوتر عملاقة تجرب ملايين التكوينات ولا يمكنه اكتشاف سر إرضاء هذه التكوينات للذات الا اذا اكتشف كل قوانين الذات وكل قوانين المخ ولذلك فالنقد مرة أخرى لا يمكنه كشف أسرار الإبداع لأن النقد يعمل من خلال النشاط العقلي التحليلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى