هوليود ثبتت بأفلامها صورة ذهنية مثالية لأمريكا، صورة ذات رونق، وبالطبع أنتجت أفلامًا تفضح أمريكا من داخلها وتجسد عيوبها وفظائعها، مثل فيلم (الجمال الأمريكي American Beauty)، وأفلام عصابات شيكاغو والعصابات المالية في البورصة.
وأفلام تبين فظائع الجيش الأمريكي في فيتنام وفظائع ما أحدثوه في قبائل الهنود الحمر، وفي أفغانستان وغيرها،وأفلام تجسد معاناة السود ومأساتهم من وقت خطفهم وإحضارهم عبيدًا لوقت الحرب الأهلية الأمريكية وحتى الآن.
لنشاهد فيلم مذهل في جرأته بالنسبة لنا معشر الناطقين بحرف الضاد، فيلم (JFK) وهذه هي الأحرف الأولى من اسم (جون فيتزجيرالد كينيدي)، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الخامس والثلاثين.
الفيلم سياسي من إخراج (أوليفر ستون) عام 1991 عن اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق جون كيندي، وبطولة النجم (كيفن كوستنر) الذي قام بدور محامي مقاطعة نيو أورليانز السابق جيم غاريسون، أي أن الفيلم عن وقائع حقيقية.
الفيلم يؤكد أن القاتل الذي قتل رئيس الجمهورية كيندي، هم كل السلطات الأمريكية تقريبًا التي من المفترض أنها تعمل تحت إمرة كيندي، بما فيهم وكالة المخابرات الأمريكية سي.آي.إيه.
وتثار شكوك أيضًا أن اغتياله كان بإيعاز إسرائيلي، خاصة بعد إصراره على تفتيش مفاعل ديمونة الإسرائيلي والتأكد ما إذا كان يحتوى على قنابل ذرية أم لا.
ومكتب التحقيقات الفيدرالي ومديره (ادجار هوفر)، بل أن الاتهام تصاعد حتى وصل لجونسون وهو نائب الرئيس كيندي نفسه! والفيلم يشكك في (لجنة وارين) التي تكونت للتحقيق في جريمة الاغتيال ويتهمها بالتضليل.
ويبين الفيلم كيف أن السلطات الأمريكية القاتلة دفعت بكبش فداء هو البريء أوزوالد! المحامي يحاكم سلطات أمريكا ويفضحها بكل قوة رغم التهديدات التي نالها ونالت عائلته. إنه فيلم هوليودي أنتج وعرض فاضحًا دوائر التأثير في أمريكا كلها، ويبين أن السبب الأساسي هو قرار لكينيدي سيوقف الحرب الفيتنامية، مما سيتسبب في خسائر بالمليارات لشركات تصنيع السلاح وما يتبعها.
ومن قبل هذا القرار كان كينيدي قد اقترح فرض ضرائب على أصحاب الثروات الخيالية فأغضبهم، وعلى الصعيد الاجتماعي ساند حركة الحقوق المدنية فاغضب الولايات الجنوبية، مثّل كينيدي أمل الشباب والشابات وطموحاتهم، كما أهتم بالفنون وقوانين حقوق الإنسان..
كل هذا يقلق جبابرة المال وطواغيت السلطة؛ولأن تلك السلطات التي خططت لاغتيال جون كيندي، أصابها القلق أن يفوز أخيه روبرت كيندي في سباق الرياسة التالي ويواصل تنفيذ رؤية شقيقة المُغتال، قامت باغتياله أيضًا ودفعت بكبش الفداء البريء سرحان الفلسطيني؛ وبالطبع خلفية سرحان الفلسطينية تساعد على الاتهام، كما ساعدت خلفية أوزورالد الذي زار الاتحاد السوفييتي على اتهامه، ثم تسقط سيارة الشقيق الثالث لكيندي في بحيرة ومعه صديقة له، تموت الصديقة وينجو الشقيق، لكنه يصير في موضع اتهام متعدد الزوايا فلن يستطيع أن يترشح للرياسة؛ وبهذا انتهت السلطات الأمريكية من جون كيندي وأخوته وارتاحت من تفكيرهم المضاد لها ولمصالحها التي تدر المليارات من الدولارات كل عام، أليست هوليود على صلة بشركات السلاح هذه؟ طبعًا، لكن هذا الفيلم يبين أن الحقائق أيضًا تنتج في هوليود حتى لو كانت ضد دوائر التحكم الرأسمالية الجشعة البشعة.
وما لفت انتباهي أيضًا في هذا الفيلم الممتاز من كل نواحيه، والذي ترشح لعدد من الجوائز ونال منها، أن البطل المحامي جيم غاريسون، هذا المحامي الشجاع بل أقول أن هذا المحامي البطل، أشار في حواراته لمسرحيتي شكسبير (يوليوس قيصر، وهامت) كما أشار لرواية كافكا (المحاكمة)، مما يبين أن هذا المحامي المحنك البطل، مثقف.. وأن ثقافته من ضمن قواه العقلية والنفسية. وهذا ما سأشير إليه لاحقًا تحت عنوان (السينما هي الحل) على أن المقصود هو الثقافة.