منوعات

رأفت السويركى يكتب : إعمال العقل

في فضاء الدعوة كثيراً ما يغيب المنطق حين التخاطب. فبعضهم يوصف بالدَّاعيةً ممن يحتلون منابر المساجد والزوايا؛ حيث يفتقدون كما اعتادوا تعميم الشعور بالرحمة والرفق في الدعوة.

إذ يوالي ـ “صاحب الذقن” المنسدل كغطاء للبطن ـ يوالي التلويح بالجحيم فقط والوعيد ولا سواه لمن لا يسلك النهج الذي يدعو إليه؛ وكأنه وكيل الله المفوض في الأرض بالإبلاغ؛ متناسياً أن الجالسين على بُسُطِ المساجد أسفل قدميه هم من المسلمين/ المؤمنين.

ووفق ما يبدو فهو محكوم بـ “القولبة”، حيث يقرأ فقط بالتخصص في “العُلوم الحافة” بالعقيدة من الموروثات المتكلسة؛ ولا يُغادر جدران مربعاتها المسجون داخلها؛ كيما ينظر متبيناً إلي خطابها “من خارج الصندوق”.

لذلك حين يُجادلك في القناعات إذا انفردتما للمحاورة تعقيبا على ما ألهب به أسماع الحضور… إذا به يَشْتَدُّ ويَحْتَدُّ بضغط ذاكرته التي ترفض ما تقول له؛ فتتذكر على الفور القول القرآني الكريم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}.

وعندما تُحاججه في أسس قناعاته وما يكبله؛ يتعمق لديك انطباق ذلك القول على هذه النوعية أكثر، فهم يحملون كُتب ما يُسمونه “العلم” ويتوهمون أنهم يحتكرونه؛ غير أنهم في حقيقة الأمر لا يعقلون “معنى العلم”، والذي يحصرون فهمه في “فقه الشعائر” و”طقوس الممارسات” وما راج باعتباره ” متواتر طرق العبادات” فقط. وعندما تنازل نماذج هذه النوعية بقوة المحاججة حول وجوبية إدراك اتساع مفهوم العلم ـ الضيق والمغلق لديهم ـ ليتسع فيشمل كافة أنماط التفكر المرتبطة بالنسق الكوني {… وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ}؛ فتراهم تطبيقاً للصورة القرآنية الكريمة { يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ}.

إن هذه النوعية التي تقرأ في “العلم المقصور” كثيراً مقتنعة أنه لا علم سواه، تتجاهل إيمانوية “فضيلة التعقل” المفترضة بمنع إِعَطَالهم العقل، ونفي إِعْمَاله كما ينبغي ليكونوا من المؤمنين حقاً بالتعقل وليس بالعادة{ بل قالوا إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}.

هذه النوعية تُحاورهم بهدوء وتؤدة؛ فإذا هم بين من يرغي ومن يزبد؛ محموماً بما يستظهره من مرويات. إذ لكل سؤال منك إجابة منهم فقط برواية ذكرها الأولون؛ مفرطين في التذكير بما لديهم من “عنعنات” يعدونها القول الفصل، فتأخذك ضرورة المحاورة لتذكيرهم بقاعدة “دوران الحكم مع العلة” فإذا بهم يتشبثون بالحكم فقط وينفون لزوم العلة، إذ أن كلام الأولين بالمطلق مقدس لديهم!!

بلى… هؤلاء يجترون فقط ما يستحفظونه من أضابير ما يُسمونه بمفهومهم “العلم”، لكنهم ـ وهذا ما يدعو للأسف ـ لا يتفكرون في مدى مشروعية تناسب فقه زمن “العلاج ببول الإبل” مع فقه “زمن الحالة” في عصر السيارة و”الطيارة” وقدرات”الانتقال بالطاقة”؛ وامتطاء المحركات التي مكنت وتمكن من تنفيذ قدرة “التجوال” في أقطار السموات والأرض لاكتشاف المخبوء ووعد الله.

وعندما تكون مضطراً لتذكيرهم بالمقولة النبوية: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم)؛ فيحاججونك أيضاً بـ: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ….} وهؤلاء لا يدركون أنها حتى ـ بنسق زمن النزول ـ تعني {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}. العلة إذن أن هؤلاء من صنائع كهف فقه رواية “حدثنا فقال”!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى