منوعات

د. سعيد حامد يكتب : أحمد الشهاوي .. والكتابة فى أدب العشق!

يتبنى الشاعر أحمد الشهاوي منذ فترة ليست بالقصيرة مشروعًا أدبيًّا شديد الفرادة، والخصوصية ألا وهو الكتابة في أدب العشق _إن جاز المصطلح_ هذا البابُ الذي ربما يعد فتحًا جديدًا في الكتابة الأدبية، ولكننا لا نعدم وجود جذور تراثية قديمة له عند ابن حزم الأندلسي، وجلال الدين الرومي…وغيرهما.

يأخذنا أحمد الشهاوي في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ، وينطلق بنا عبر رحلة تبدأ بغلاف يحمل عنوانين “أنا من أهوى” وهي جملة مأخوذة من بداية بيت للحلاج مشهور و”600 طريق إلى العشق” وهو الجزء الذي يظهر جليًّا على الغلاف.

إن القارئ لنص ” أنا من أهوى ” يفاجئ منذ النظرة الأولى للكتاب بشكل كتابي مغاير عن أشكال الكتابات الأدبية الأخرى حيث يعمد الكاتب، ويرنو إلى نمط الكتابة التشذيرية/التقطيعية فيأتي الكتاب على ستة أبواب “آية الكهرمان_ نثر الماس_ شذور الذهب_ سورة اللؤلؤ_ بهجة الياقوت_ زمرد الجنة”، وفي كل باب من هذه الأبواب الستة مائة مقطع أدبي مرقم حسابيًّا تتراوح هذه المقاطع بين الطول، والقصر ما بين فقرة طويلة، وجملة أدبية واحدة.

صدَّر أحمد الشهاوي هذه الأبوابَ بإهداء، ومفتتح للحلاج الصوفي (أنا من أهوى ومن أهوى أنا .. نحن رُوحانِ حلالنا بدنَا) تتبعه دعوة الشاعر إلى القارئ بخوض تجربة القراءة، ومغامرتها ويطلب منه أن يتمثل نفسه كاتبها الذي صدرت عنه، ونبعت منه.

يمثل الشكل الخارجي للكتاب خرقًا واضحًا لتقاليد الكتابة الأدبية ، وتعصيا على التصنيف الإجناسي/النوعي إلا أن هذا لا يمنع بأية حال من الأحوال من عدِّه كتابًا أدبيًّا في المقام الأول وفقا للمرتكزات التي انطلق منها الكاتب بدءًا من اللغة الأدبية الكثيفة الموجزة وكذا ثراء هذه اللغة واحتوائها على عدد من الآليات، والتقنيات، والوسائل “الأدبية” التي تعد بمثابة إجابة وافية عن سؤال رومان جاكبسون “ما الذي يجعل من عمل ما عملًا أدبيًّا؟”.

في كل مقطع من المقاطع الستمائة يطوف بنا أحمد الشهاوي ويحاول أن يحلل أدبيًّا، ويفسِّر موضوعًا رئيسًا يدور حوله الكتابُ هو محاولة وصول الأنا إلى العشق، والظفر به فيصف لنا عن طريق اللغة الواصفة تأرجح الأنا بين موضوع العشق، و”حقيقة خبره” بلغة الصوفية بما يمثل تواؤمًا واضحًا بين العبارة، والخبر عبر مسارات/ طرق كتابية دونما الوصول إلى نهاية، أو الحصول على إجابة.

تعد رحلة أحمد الشهاوي في كتابه رحلة أنوية/ذاتية حاول من خلالها تعريف القارئ بمسارات العشق، وطرقه من خلال تجربته هو كأنا/ذات عاشقة اكتوت بنار العشق، وخبرته، _وربما تكون مارسته_ عبر منطلقات تحولت أدبيًّا إلى مناسبة إبداعية، ومحفلية تمارس طرقًا ابستيمولوجية تؤطر إجرائيا لمجموعة من السمات المعرفية، والجمالية.

مما سبق وإذا كانت منطلقات الكتابة قد رسمت لنا صورة شاعر ذاتي يمارس سلطته الإبداعية على الخطاب الأدبي، فإن هذه السلطة _التي سلمها الشاعر للقارئ في المفتتح_ لا تنفي في الوقت نفسه عناية الكاتب بالقارئ، ووقوفه إلى جواره طوال الوقت ومن ثم يجد القارئ هذه النزعة واضحة ويلمسها وتلتقي رغبته مع رغبة الكاتب فتحدث حركة التفاف دائرية، ومتكاملة في النص ما بين تجربة الكاتب وغرضه، وجسد النص، وهوى القارئ ورغبته.

تتحقق لذة القراءة _وفق مفهوم رولان بارت_ في ” أنا من أهوى ” عبر مجموعة من المعايير، والأسس الفاعلة في النص، والتي تتلخص في طبيعة النص الكتابية المغايرة عن معايير الكتابة الأدبية، _وكذا وربما يكون هذا هو الجانب الأهم_ في لغة الكتابة الكثيفة المكتنزة الواصفة غير المعيارية التي ربما تجد صدى رحبًا لدى القارئ بما ترتكز عليه من بعدين فاعلين :
_ المرتكز/البعد الصوفي الخاص في جزء كبير منه.
_ المرتكز/ البعد الابستيمولوجي العام الذي يتبلور عن طريق الطرح المعرفي( الثقافي العام، والاجتماعي والنفسي الخاصين ) في ثنايا عملية الكتابة الأدبية، وهو طرحٌ ظاهراتي أحيانًا، وتشفيريٌّ رمزيٌّ أحيانًا أخرى، وكذا فإن الكتاب يعد في أجزاء كثيرة منه بمثابة محاولة متميزة للخروج من خطاب الجسد إلى خطاب الروح هذا الأمرُ الذي علق كثيرا بالعقلية العربية من حيث الربط التقليدي الموروث بين ظاهرة الكتابة عن العشق، وما بين مخاطبة الجسد، والغرائز ودغدغتها.

ما عرضناه سابقا _وغيره_ يتماس بشكل أو بآخر مع مفهوم لذة القراءة البارتية التي تبدأ بمصاحبة نص رحلة الكاتب، فتلتقي على طريق واحد مع رغبة القارئ هو طريق العشق الذي يُفرع الكاتب له ستمائة طريق وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مغزى العدد، وفحواه ولماذا ستمائة طريق؟ ولمَ لا يكون أقل من هذا العدد أو أكثر_ربما_ وفي هذه المسألة تأويل آخر ينضاف إلى جملة التأويلات المتعددة التي يحملها الكتاب، ويحويها والتي تفتح النص على كل الاحتمالات التي في خضمها تتأجج لذةُ القراءة عبر رحلة الأنا الكاتبة.

*يذكر أن د. سعيد فرغلي حامد هو مدرس النقد الحديث بكلية الآداب جامعة أسيوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى