قال كريستوفر رينيه محلل أسواق الغاز في مؤسسة ICIS “إن الطلب الأوروبي على الغاز في النصف الأول من العام الجاري انخفض بنحو 13% مقارنة بنفس الفترة من 2022، وإذا ما قارناه مع معدل نفس الفترة في الأعوام الثلاثة السابقة نرى أنه انخفض بنحو 17% بالنسبة إلى كيف انقسم هذا الانخفاض ما بين الطلب السكني والصناعي فليست كل الدول الأوروبية تعلن عن هذه القسمة ولكن بعضها يفصح، وتلك الإفصاحات تعطينا مؤشرا على النزعة الأوسع في السوق الأوروبية .
وأضاف في مقابلة مع برنامج “مستقبل الطاقة” على قناة “العربية””في بريطانيا مثلا، في النصف الأول من 2023، انخفض الطلب الصناعي على الغاز بنحو 16% على أساس سنوي، في حين انخفض الطلب السكني بنحو 6% أما في إيطاليا، فقد انخفض الطلب الصناعي على الغاز بنحو 12%، في حين انخفض الطلب السكني بـ 15%.
“ما يبدو واضحا هو أن أسعار الغاز المرتفعة في السنتين الماضيتين خلقت بيئة صعبة جدا للقطاع الصناعي بالطبع، أسعار الغاز الأوروبية انخفضت خلال النصف الأول من العام لكن أسعار عقود الشهر المقبل ما زلت نحو 3 أضعاف معدلها في السنوات الثلاث الأخيرة، وبالتالي فإن حالة من تآكل الطلب قد حدث وهنا أعني أن الصناعة اضطرت إلى خفض نشاطها أو حتى التوقف تماما” وفقا لرينيه.
وأضاف أنه في حين أن أسعار الوقود المتوقعة لبقية العام الحالي والمقبل ما زالت مرتفعة ومثال على ذلك، أعلنت مؤخرا شركة CF fertilizers في بريطانيا أنها تنوي إغلاق أحد مصانعها للأمونيا بسبب ارتفاع كلفة الوقود في بريطانيا على الأمد المنظور، حيث أكدت الشركة أن استيراد الأمونيا سيكون أقل تكلفة من عمليات الشركة الدولية خاصة في الولايات المتحدة.
وذكر رينيه أنه مع افتراض استمرار بقاء الطلب على الكهرباء والغاز دون المعدل التاريخي خلال النصف الثاني من العام خاصة أن أسعار الغاز ما زالت أعلى من سعرها التاريخي طويل الأجل وهذا الأمر لن يتغير في الأشهر الستة المقبلة بالتالي فإن تعافيا سريعا للطلب هو أمر مستبعد هذا العام، أضف إلى ذلك فإن أسعار وقود محطات الكهرباء العاملة على الغاز تبقى مرتفعة مقارنة بإنتاج الكهرباء من الفحم، لذا فإن الفحم سيبقى الخيار الأول، خاصة خلال موسم الشتاء القادم حيث إن كلفة الكهرباء ستتأثر بحركة أسعار الغاز لذا لا أتوقع أي ارتدادة قوية في النصف الثاني من العام.
وأضاف أن ديناميكية أسواق الطاقة تغيرت بالفعل وقد أصبح هناك شحا في المعروض مقابل الطلب في سوق الغاز المسال بسبب قفزة الطلب الأوروبي على الغاز المسال حيث أنه وبعد أحداث العام الماضي اضطرت أوروبا إلى إيجاد موردين جدد للطاقة وكان من المنطقي اللجوء إلى السوق العالمية ولكن القفزة في الطلب الأوروبي على الغاز المسال كان سريعا جدا بحيث لم تستطع السوق استيعابها بالتالي هذا الضغط عاد ليرتد على الطلب في ضوء ازدحام السوق العالمية أما بالنسبة للمناطق المختلفة حول العالم.
وأوضح رينيه أن أوروبا قبل العام الماضي كانت قادرة على أن تكون المشتري الأخير الذي يمكن الاعتماد عليه في السوق عندما تكون الأسعار جدا منخفضةوالسبب في قدرتها على لعب هذا الدور سابقا هو أن أي غاز مسال مستورد بالإمكان حقنه في أي من مواقع التخزين الضخمة لديها أو يمكن نقله إلى أي من محطات الكهرباء العاملة على الغاز العديدة في أوروبا.
أما دور الصين كأحد كبار مشتري الغاز المسال بالرغم من قيود كورونا وتباطؤ النمو الاقتصادي العام الماضي الذي أثر سلبا على طلبها على الغاز المسال إلا أنها تبقة أحد اللاعبين الكبار وأحد أسباب ذلك هو امتلاكها لعدة عقود
شراء غاز مسال طويلة الأجل والتي تضمن لها أمن الإمدادات في حال أرادت الصين مزيدا من الغاز يمكنها اللجوء إلى سوق الغاز المسال الفورية ولكن هذا يعتمد على ظروف السوق في حينها.
أوضح أن الأحداث في أسواق الطاقة كان لها أثر أقوى على أسعار الغاز الأوروبية وقامت بتمهيد الطريق لعلاقات ارتباط عميقة ما بين أسواق الغاز الأوروبية والآسيوية وهذا يعني أن أوروبا باتت أكثر انكشافا وعرضة لأنماط الطلب في آسيا وقد رأينا مثالا جيدا على هذا في الشتاء الماضي حيث أن آسيا شهدت شتاء معتدل الطقس وهو ما خفض من طلبها على الغاز المسال وهو الأمر الذي سمح لأوروبا لاستيراد كميات قياسية من الغاز المسال خلال فترة الشتاء المنصرم وصل حجمها إلى 61 مليون طن أما بخصوص انكشاف أوروبا على النمو والتعافي الاقتصادي الصيني فبالطبع كل شيء يعتمد على حجم الطلب الذي ستحاول الصين ملاقاته من السوق فإذا كان هناك نمو اقتصادي قوي في الصين إلى جانب ارتفاع في الطلب من الدول المجاورة لها فهذا سيؤدي حتما إلى ازدحام السوق وبالتالي علينا أن نتوقع أسعارا أعلى في أوروبا.