في معظم دول العالم، يعد شراء منزل هو الاستثمار الأكبر ويجمع له الأفراد مدخرات سنوات طويلة من العمل، إلا أن زلزالاً مدمراً ضرب تركيا الأسبوع الماضي حول هذه الثروات من آلاف الشقق والمباني إلى كومة رماد.
ولم تكن المباني القديمة وحدها الأكثر عرضة للضرر، بل انهارت أجزاء من أبنية حديثة وقديمة، وحتى أن بعضها شُيد قبل 6 أشهر فقط.
ولا يعرف الحجم الكامل لأضرار الزلزال الذي ضرب الاثنين بقوة 7.8 درجات وهزات ارتدادية لا تُحصى تسببت بكارثة في تركيا وسوريا أودت بحياة أكثر من 25 ألف شخص.
وترتفع حصيلة القتلى في تركيا يوميا. وبموازاتها يتصاعد الغضب من رداءة نوعية البناء ما تسبب بتساقط أبنية كالورق، في بلد يقع على عدة فوالق وسجل في فترات ماضية زلازل كبرى.
ويرى الخبراء أن لدى تركيا القوانين الضرورية لمنع مثل تلك الكارثة. لكن يتم التساهل في تطبيقها من شركات بناء.
وقال المسؤولون إن نحو 12141 مبنى دمر أو تضرر بشدة في تركيا، وفقاً لما ذكرته “AFP”، واطلعت عليه “العربية.نت”.
وبما أن الزلزال الأول بهذه القوة “كان متوقعا تسجيل أضرار، لكن ليس كالأضرار التي يتم مشاهدتها الآن”، بحسب الأستاذ في جامعة “بوغازيتشي”، مصطفى إرديك.
وحتى إن انهار مبنى ما، يمكن للناس عادة الاختباء حتى تتمكن فرق البحث من إنقاذهم، كما قال. لكن هذه المرة تساقطت طبقات أبنية فوق بعضها البعض مثل صفائح.
وقال إرديك، وهو أيضا من “الصندوق التركي لمواجهة الزلازل” إن “أرضيات الشقق تتكدس فوق بعضها البعض”.
أسمنت رديء
ويبرز السؤال عن سبب سقوط الأبنية بهذا الشكل.
ووفقاً للمستشار في جامعة إسطنبول التقنية، زيني تكين: “تعود الأسباب عادة إلى النوعية الرديئة للأسمنت الذي يُمزج مع كثير من الماء والحصى وقليل جدا من الأسمنت”.
وتعود أسباب أخرى إلى نوعية القضبان الحديد التي قد تكون رفيعة جدا بحيث لا تتمكن من دعم الأعمدة، ما يحد من قوة البناء، بحسب المهندس.
لكن تكين يلقي باللوم أيضا على تدني مستوى تعليم المهندسين المدنيين والمهندسين المعماريين، رغم ظهور جامعات خاصة في أنحاء تركيا.
مغامرة بالقوانين
قواعد البناء التركية القائمة على معايير البناء في كاليفورنيا، وتتم مراجعتها بشكل دوري منذ زلزال 1999 في شمال غرب تركيا. وأجريت آخر مراجعة في 2018.
وقال المهندس المعماري في إسطنبول، أيكوت كوكسال “على الورق تُحترم المعايير، مع عقود تُمنح لشركات خاصة تكلف التحقق منها”.
لكن الإشراف على تلك الاتفاقات متساهل، وفق كوكسال، ما يمنح البنائين مساحة أكبر لتطبيق القواعد أو عدم تطبيقها.
غضب من الإهمال والطمع
ويرى كوكسال، أنه قد تحد الإجراءات البيروقراطية من تحميل المسؤولية إلى جهة ما إذا حصل خطأ.
وأضاف: “عدد الخطوات والموقعين كبير إلى درجة يجعل من الصعب تحديد المسؤول في نهاية الأمر”.
وكحل لهذه المشكلة اقترح كوكسال فرض تأمين على جميع أصحاب الشأن ضد الممارسات الخاطئة، تضمن دفع تعويضات للمتضررين من جانب المقاولين المذنبين.
أضاف: “هذا ما يُطبق في أماكن أخرى من العالم وينبغي أن يُطبق في تركيا”.
وأثار الإهمال والطمع الواضحان لبعض المقاولين غضبا وخصوصا بعد انهيار شقق سكنية فخمة بنيت في السنوات العشرين الماضية مثل أوراق اللعب.
ويأمل كثيرون أن تدفع هذه الكارثة نحو رقابة أفضل.
وقُدمت أول شكوى قانونية الجمعة في محافظة ديار بكر الواقعة جنوب شرق البلاد، تبعتها شكاوى أخرى.
أردوغان يعد بإعادة البناء
وما أثار الاستياء بشكل خاص الأهمية التي علقها إردوغان على قطاع البناء منذ وصول حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، إلى السلطة في 2002.
فطفرة البناء كانت المحرك الكبير للاقتصاد في السنوات الأولى لعهده.
وتظهر الأرقام الرسمية أن عدد الشركات العاملة في قطاع العقارات ارتفع بنسبة 43% خلال 10 سنوات، لتصل إلى 127 ألف شركة قبل أزمة كورونا في 2020.
ومع وعود أردوغان بإعادة بناء المناطق المتضررة خلال سنة، لا يتوقع أن تهدأ الفورة العقارية.
وثمة تكهنات حول المخاطر التي تمثلها مبان شاهقة في إسطنبول، تخشى مصيرا مشابها.
لكن بالنسبة لـ “إرديك”، فإن القلق الأكبر يتعلق بالمباني المؤلفة من 6 و7 و8 طوابق شيدتها شركات صغيرة أو حتى العائلات نفسها.