
سجّلت أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية ارتفاعًا طفيفًا خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، في ظل حالة ترقّب واسعة للقرارات المرتقبة بشأن السياسة النقدية الأمريكية، حيث من المنتظر أن تجتمع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خلال هذا الأسبوع لتحديد اتجاه أسعار الفائدة. وبحسب تقرير منصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات، تأتي هذه التحركات وسط حالة من الحذر تسيطر على المستثمرين قبيل إعلان المصير الجديد للسياسة النقدية الأمريكية.
وأوضح سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، أن أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفعت بنحو 15 جنيهًا اليوم، ليصل سعر جرام الذهب عيار 21 إلى 5620 جنيهًا، فيما ارتفعت الأوقية في البورصة العالمية بمقدار 12 دولارًا لتسجل 4203 دولارات. وأضاف أن جرام الذهب عيار 24 بلغ 6423 جنيهًا، بينما سجّل عيار 18 نحو 4817 جنيهًا، واستقر الجنيه الذهب عند 44,960 جنيهًا.
وأشار التقرير إلى أن أسعار الذهب شهدت تراجعًا طفيفًا يوم الاثنين الماضي بنحو 10 جنيهات، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند 5615 جنيهًا واختتمها عند 5605 جنيهات، فيما تراجعت الأوقية عالميًا بمقدار 8 دولارات لتغلق عند 4191 دولارًا بعد أن افتتحت عند 4199 دولارًا.
وتشهد الأسواق المحلية والعالمية حالة من التذبذب في أسعار الذهب، مع ترقب المستثمرين لنتائج اجتماع الفيدرالي الأمريكي، وسط توقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. ويُتوقع أن يحظى المستثمرون والمتداولون بمتابعة دقيقة للتحديثات المتعلقة بالتوقعات الاقتصادية، ومخطط النقاط، والمؤتمر الصحفي لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، بحثًا عن مؤشرات حول المسار المستقبلي لتخفيض الفائدة، وهو العامل الأكثر تأثيرًا على الطلب على الدولار، وبالتالي على أسعار الذهب غير المدرّ للعائد.
في الوقت نفسه، تدعم التوقعات التي تشير إلى اتجاه البنك المركزي الأمريكي لخفض تكاليف الاقتراض هذا الأسبوع—إلى جانب احتمالات إجراء المزيد من التخفيضات خلال 2026—محاولات الدولار للتعافي من أدنى مستوى له منذ أكتوبر الماضي. كما تعزز حالة عدم اليقين الجيوسياسي الناتجة عن الحرب الروسية–الأوكرانية من جاذبية الذهب كملاذ آمن، مما يحد من خسائره المحتملة.
ولم يترك مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأمريكي (PCE) الصادر الجمعة الماضية أثرًا ملموسًا على توقعات التيسير النقدي، حيث تشير تقديرات المتداولين إلى أن احتمال خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس يتجاوز 85% مع نهاية اجتماع اللجنة الفيدرالية. وفي المقابل، لم توفر التوقعات الحذرة للدولار دعمًا كافيًا لتعزيز انتعاشه الأخير، بل ساهمت في زيادة جاذبية الذهب.
وينتظر المستثمرون صدور بيانات اقتصادية أمريكية مهمة تشمل تقرير ADP للتغير في التوظيف وبيانات الوظائف الشاغرة JOLTS، لما لها من تأثير مباشر على توقعات لجنة السوق المفتوحة بشأن أسعار الفائدة.
وعلى الصعيد السنوي، ارتفع الذهب بأكثر من 60% خلال عام 2025، مدفوعًا بالمخاطر الجيوسياسية، وتخفيضات أسعار الفائدة، وعمليات الشراء الضخمة من البنوك المركزية، ويترقب المستثمرون معرفة ما إذا كان المعدن الأصفر قادرًا على المحافظة على هذا الزخم خلال عام 2026، خصوصًا بعد تسجيله أكثر من 50 مستوى قياسي جديد خلال 2025، ليقترب بذلك من أفضل أداء سنوي منذ عام 1979.
ويشير تقرير مجلس الذهب العالمي إلى أن أداء الذهب في 2025 تأثر بعدة محركات متزامنة، من بينها مشتريات البنوك المركزية المستمرة، وزيادة التوترات الجيوسياسية، وانخفاض أسعار الفائدة، وضعف الدولار، ما عزز الطلب الاستثماري على المعدن النفيس. وقدمت هذه العوامل مساهمات متفاوتة في الأداء السنوي؛ إذ أسهمت التوترات الجيوسياسية بنسبة 12 نقطة مئوية، بينما أضاف ضعف الدولار وانخفاض الفائدة 10 نقاط، وأسهم الزخم الاستثماري بـ9 نقاط، والتوسع الاقتصادي بـ10 نقاط إضافية.
وتوقع مجلس الذهب العالمي استمرار معظم العوامل الداعمة لارتفاع الذهب خلال عام 2026، غير أن نقطة الانطلاق تختلف عن العام الماضي بعد أن أخذت الأسعار بالفعل في الحسبان توقعات النمو العالمي واستقرار الدولار وتخفيضات الفائدة المعتدلة، وهو ما يجعل أسعار الذهب تبدو «عادلة» نسبيًا مع ثبات تكلفة الفرصة البديلة وتلاشي جزء من الزخم القوي لعام 2025.
وبناءً على السيناريو الأساسي للمجلس، يُرجح تداول الذهب في نطاق ضيق خلال 2026 ضمن حدود تتراوح بين -5% و +5%. كما طرح المجلس ثلاثة سيناريوهات بديلة قد تؤثر على مسار الأسعار:
انزلاق اقتصادي سطحي: ارتفاع متوقع بين 5% و15% بدعم التحول نحو الأصول الدفاعية.
حلقة انهيار اقتصادي أعمق: ارتفاع بين 15% و30% في ظل تيسير نقدي قوي وتدفقات كبيرة من الملاذات الآمنة.
تعافٍ اقتصادي مدفوع بسياسات إدارة ترامب: احتمال تراجع الذهب بين 5% و20% نتيجة ارتفاع الدولار والعوائد وضعف الطلب الرسمي.
وعلى الرغم من توقعات مجلس الذهب العالمي المتحفظة، تبدي بنوك الاستثمار العالمية رؤى أكثر تفاؤلًا لعام 2026. إذ يتوقع بنك جي بي مورجان أن تتراوح الأسعار بين 5200 و5300 دولار للأوقية، فيما يرجح جولدمان ساكس وصولها إلى 4900 دولار، ويقدّم دويتشه بنك نطاقًا بين 3950 و4950 دولارًا، مع متوسط أساسي عند 4450 دولارًا، بينما يتوقع مورجان ستانلي اقتراب الأسعار من 4500 دولار مع تحذيرات من تقلبات قصيرة المدى.
ويرى المتفائلون أن استمرار مشتريات البنوك المركزية، خصوصًا في الاقتصادات الناشئة، إلى جانب ضعف الاستثمار المؤسسي النسبي في الذهب، يمنح المعدن فرصة لمزيد من المكاسب. كما تظل احتمالات انخفاض العائدات الحقيقية ومخاطر الاقتصاد العالمي عوامل مشجعة على استخدام الذهب كأداة تحوط.
ومع ذلك، تبقى مخاطر الهبوط قائمة، إذ قد يؤدي تعافٍ اقتصادي أمريكي أقوى من المتوقع أو تجدد الضغوط التضخمية إلى تأجيل خفض الفائدة أو حتى عكسه، ما يعزز قوة الدولار ويضعف جاذبية الذهب. كما أن تباطؤ تدفقات صناديق الاستثمار، أو تراجع مشتريات البنوك المركزية، أو ارتفاع وتيرة إعادة التدوير—خصوصًا في الهند—قد يزيد العرض ويضغط على الأسعار.
وفي حين يبدو من غير المرجح تكرار ارتفاع الذهب الاستثنائي بنسبة 60% الذي شهده عام 2025، فإن المعدن الأصفر يدخل عام 2026 من موقع قوة، مع استمرار العوامل الأساسية الداعمة له، بما في ذلك عدم اليقين الاقتصادي، وتنويع احتياطيات البنوك المركزية، ودوره التحوطي ضد التقلبات، ليظل الذهب أداة استراتيجية للحفاظ على المرونة والاستقرار في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.






