
منذ خمسينيات القرن الماضي، وإثيوبيا لا تتوقف عن محاولاتها – بتخطيط خارجي ودعم من قوى معروفة – لاستخدام مياه النيل كورقة ضغط على مصر والسودان. وقد ارتضت أن تكون أداة لتنفيذ سياسات تستهدف الأمن المائي المصري والسوداني، بل وتعمل على إحداث فجوة بين الدولتين الشقيقتين بكافة السبل الممكنة.
اتفاقات منفردة ومحاولات للوقيعة
في عام 2022، أقدمت إثيوبيا على توقيع اتفاق منفرد مع السودان حول سد النهضة، وبمباركة عربية، في خرق واضح لمبادئ القانون الدولي. وللأسف، لم تواجه مصر هذا التصرف برد فعل عاجل أو ببيان رسمي في حينه، واكتفت بعد عامين فقط بعقد اجتماع رباعي في القاهرة مع الجانب السوداني لإدانة التصرفات الإثيوبية الأحادية في ملء وتشغيل السد.
ضجيج بلا طائل
خلال الأشهر الماضية، افتعلت إثيوبيا وحلفاؤها ضجة إعلامية حول انضمام جنوب السودان لاتفاقية عنتيبي والبدء في تفعيلها، رغم عدم استيفاء شروط التفعيل. ومع فشل المحاولة تلاشى الضجيج سريعًا. واليوم، يكرر النظام الإثيوبي نفس السيناريو من خلال “استعراض إعلامي” للإعلان عن افتتاح سد النهضة، رغم أن الواقع يؤكد فشله الذريع في تحقيق الهدف المعلن وهو توفير الكهرباء لشعبه أو تصديرها للخارج.
السد.. أداة للإضرار بمصر
السؤال الجوهري: هل سد النهضة لن يسبب أضرارًا لمصر؟
الإجابة واضحة: السد أُنشئ خصيصًا للإضرار بمصر وأمنها المائي، ومحاولة إبطال دور السد العالي كمخزون استراتيجي. هذا الأمر ليس اجتهادًا، بل خططت له جهات خارجية منذ عقود، وعلى رأسها مكتب الاستصلاح الأمريكي، ووردت تفاصيله في تقارير معلنة منذ منتصف القرن الماضي.
رحمة السماء حالت دون الأضرار
بفضل إرادة الله وحدها، جاءت تصرفات النيل الأزرق خلال السنوات السبع الماضية متوسطة أو أعلى من المتوسط، وهو ما حال دون احتجاز كميات مؤثرة أمام سد النهضة. وبالتالي لم تتأثر احتياجات مصر والسودان بشكل جوهري، خاصة مع نجاح القاهرة في تنفيذ مشروعات لترشيد استخدام المياه واستقطاب الفواقد تحسبًا لأي طارئ.
التحدي القادم: سنوات الجفاف
لكن الصورة ليست وردية. فالتوقعات تشير إلى أن السنوات المقبلة قد تشهد موجات جفاف. وإذا حدث ذلك، فقد نجد أنفسنا أمام مواجهات مباشرة لا نتمناها ولا يرغب المجتمع الدولي في رؤيتها. وهنا، لا بد من توجيه رسالة واضحة: على القيادة الإثيوبية أن تستيقظ من غفوتها قبل فوات الأوان.
السلام هو المخرج الوحيد
إننا نؤكد دومًا أن مصر لا تسعى إلا للسلام والتفاهم. فالقانون الدولي يضع إطارًا واضحًا: “الاستفادة للجميع دون إضرار بأحد”. وإذا طبقت هذه القاعدة، فإن نهر النيل سيظل مصدرًا للتنمية المشتركة لشعوب إثيوبيا ومصر والسودان وحوض النيل بأكمله، بل وللقرن الإفريقي والمنطقة بأسرها.