
في الأسابيع الأخيرة، شهد سوق الصرف في مصر تحركات مفاجئة في سعر الدولار، حيث انخفض السعر الرسمي من نحو 51 جنيهًا إلى 48.3 جنيه. ورغم أن هذا التطور قد يوحي بوجود تحسن اقتصادي، إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن الأمر أقرب إلى “إدارة أزمة على الورق” منه إلى تحسن حقيقي في المؤشرات الأساسية.
مكاسب المستثمر الأجنبي… وخسارة المواطن
وفقًا لتحليلات اقتصادية، فإن الانخفاض الأخير في سعر الدولار يخدم بشكل أساسي المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومي، الذين دخلوا السوق عندما كان الدولار عند مستوى 50 جنيهًا، ليحققوا أرباحًا إضافية من فرق العملة بجانب الفائدة المرتفعة على أذون الخزانة. هذه الاستراتيجية، وإن كانت توفر سيولة مؤقتة للدولة، إلا أنها لا تنعكس على تحسن القوة الشرائية للمواطن أو تراجع أسعار السلع.
الواقع الاقتصادي بالأرقام
البيانات الرسمية تكشف فجوة تمويلية تفوق 40 مليار دولار، معظمها يُغطى من خلال ما يعرف بـ”الأموال الساخنة”، وهي استثمارات قصيرة الأجل يمكن أن تغادر السوق في أي وقت. ويُقدر حجم هذه الأموال بنحو 42 مليار دولار ضمن الاحتياطي الأجنبي، إضافة إلى ودائع وقروض تصل إلى 20 مليار دولار، ما يعني أن الجزء الأكبر من الاحتياطي ليس من أصول إنتاجية حقيقية.
كما سجل عجز الحساب الجاري 11.3 مليار دولار العام الماضي، وبلغ 5.8 مليار دولار في الأشهر الأولى من العام الجاري. في المقابل، لم تشهد الصادرات المصرية زيادة كافية، ولا تراجعًا ملموسًا في العجز التجاري أو أعباء المديونية الخارجية، التي تتجاوز 165 مليار دولار مقارنة بـ65 مليارًا قبل سنوات قليلة.
تأثيرات متوقعة في سبتمبر
يتوقع محللون أن يشهد شهر سبتمبر موجة ارتفاعات جديدة في أسعار الكهرباء، المحروقات، والأدوية، مدفوعة بزيادة تكاليف استيراد الغاز — ومن بينها صفقة لاستيراد الغاز من إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار. كما بدأت بعض الشركات والموردين في تخزين السلع تحسبًا لارتفاع الأسعار، ما قد يفاقم موجة التضخم.
التضخم… والأرقام الصورية
رغم تصريحات رسمية عن تراجع معدل التضخم، إلا أن الأسعار في الأسواق لم تعكس هذا الانخفاض، بل تواصل الصعود، وهو ما يراه اقتصاديون نتيجة لسياسات نقدية ومالية قصيرة المدى، أبرزها الاعتماد على طباعة النقود، ورفع أو خفض الفائدة لاستقطاب استثمارات الأجانب، دون معالجة جوهرية لأسباب ضعف الجنيه.
الحاجة إلى خطة إنقاذ
يتفق خبراء الاقتصاد على أن مصر بحاجة إلى خطة إنقاذ عاجلة، تركز على:
زيادة الإنتاج والصادرات.
خفض العجز التجاري.
تقليص الاعتماد على الأموال الساخنة.
إعادة هيكلة الديون.
تحسين القوة الشرائية للمواطن من خلال ضبط الأسعار.
وفي ظل غياب هذه الخطوات، يخشى المراقبون أن يستمر الاقتصاد المصري في مواجهة أزمات متكررة، حيث يبقى المواطن هو المتضرر الأكبر، بينما تستفيد رؤوس الأموال قصيرة الأجل من الفوارق السعرية والسياسات المؤقتة.
يذكر أن الدكتورة سالي صلاح هي خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتسويق الدولي ومبتكرة حلول النمو والتوسع وتحول مسارات الشركات في الأسواق المتقلبة وCEO – Smart Strategic Business Solutions