
لم يعد امتلاك وحدة عقارية كاملة هو الشكل الوحيد للدخول إلى السوق العقاري. ففي ظل تطور التكنولوجيا المالية، وتغير أنماط تفكير الأجيال الجديدة، برز نموذج الاستثمار العقاري التشاركي كأحد أبرز الأدوات الحديثة التي تعيد تعريف العلاقة بين المستثمر والعقار، وتكسر الصورة النمطية القديمة التي جعلت من العقار حكرًا على أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة.
نموذج قابل للتطبيق في السوق المصري
يُبنى الاستثمار العقاري التشاركي على فكرة بسيطة لكن فعالة: مجموعة من الأفراد يمتلكون حصة في عقار معين، يحصلون بموجبها على عائد من الإيجار أو من ارتفاع قيمة الأصل بمرور الوقت. هذا النموذج – الذي بدأ في دول مثل الولايات المتحدة والإمارات والهند – يمكن أن يُطبق في مصر من خلال تنظيم تشريعي وتكنولوجي بسيط، خاصة مع وجود منصات رقمية جاهزة لاحتضان هذا النوع من الاستثمار.
ما تحتاجه مصر هو تهيئة البنية التشريعية لهذا النمط، ومنح تراخيص لمنصات رقمية موثوقة تجمع بين المطورين والمستثمرين الأفراد، تحت إشراف جهات رقابية واضحة مثل هيئة الرقابة المالية.
أثر مباشر على تحفيز الطلب العقاري
أحد أكبر التحديات التي تواجه السوق العقاري في مصر هو انخفاض قدرة فئات كثيرة من المواطنين – خاصة الشباب – على التملك العقاري، رغم رغبتهم في الاستثمار أو الادخار من خلاله. وهنا يأتي دور الاستثمار التشاركي في خلق شريحة جديدة من المستثمرين العقاريين، وخاصة من جيل Z، الذين يفضلون الحلول الرقمية والمرنة، ولا يمتلكون بعد القدرة على التملك الكامل، لكنهم يملكون الرغبة والقدرة على الدخول بمبالغ صغيرة، والحصول على عوائد ملموسة.
تعظيم جاذبية السوق العقاري المصري أمام المستثمر الأجنبي
الاستثمار التشاركي لا يفتح فقط أبواب السوق أمام المصريين، بل يُعد أداة فعالة لجذب المستثمر الأجنبي، خاصة من دول الخليج والمصريين بالخارج، حيث يمكنهم بسهولة الدخول في مشروعات عقارية واعدة دون الحاجة إلى إجراءات معقدة، أو تحويلات مالية ضخمة دفعة واحدة.
إن توسيع قاعدة المستثمرين بهذه الطريقة يرفع من معدلات السيولة في السوق، ويزيد من عمقه ومرونته، بما يجعله أكثر جاذبية في عيون المؤسسات والصناديق الاستثمارية الأجنبية التي تبحث عن أسواق واعدة ومنظمة.
دعم جهود الدولة في التنمية العمرانية
تسعى الدولة المصرية حاليًا إلى بناء عشرات المدن الجديدة، وتوسيع الرقعة العمرانية بما يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن نجاح هذه المدن لا يرتبط بالبناء فقط، بل بضخ استثمارات متنوعة ومستدامة فيها.
هنا يمكن أن يكون الاستثمار العقاري التشاركي أحد الأدوات المهمة لضمان تدفق مستمر لرؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة نحو هذه المدن، سواء في مشروعات سكنية أو تجارية أو سياحية، وهو ما يُعزز الاستقرار الاقتصادي ويدعم أهداف رؤية مصر 2030.
نحن بحاجة إلى هندسة مالية تواكب هندستنا العمرانية
إذا كنا نشهد طفرة عمرانية غير مسبوقة في مصر، فإن المطلوب الآن هو طفرة موازية في أدوات التمويل العقاري والاستثمار العقاري.
الاستثمار التشاركي لا يعيد فقط تشكيل السوق، بل يعيد تشكيل التفكير؛ هو خطوة نحو ديمقراطية الاستثمار، ومفتاح لخلق جيل جديد من المستثمرين العقاريين، وتحقيق تكامل حقيقي بين النمو العمراني والنمو المالي.