محمد عبدالعال يكتب: الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة.. رؤية مصرية للفرص والتحديات (2)

فى مقالنا السابق حول التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة تحت عنوان ” يوم تحرير الاقتصاد الامريكى ” كنا قد انتهينا إلى حاجتنا إلى اجابات لبعض علامات الاستفهام المرتبطة ، مثل ،
هل هناكً فى خضم تلك المخاطر ، بعض الفرص الايجابية ؟ وكيف يمكن العمل على تحويل بعض تلك المخاطر إلى فرص ؟
وقبل أن نصل الى إجابة ، يتعين أن نأخذ فى اعتبرنا حالة عدم اليقين التى تفشت عالميا وإنتقلت إلى عقول المستثمرين و معظم متخذى القرارات فى العالم ، خاصة أن الرئيس الامريكى ترامب بدأ يعرض قبولة التفاوض مع بعض الدول ،وهو ما يعنى أن هناك فى ظل حالة عدم القين السائدة -هناك آمال قد تكون محدودة – بان يقوم الرئيس الامريكى بالعدول عن قراراته كلياً او جزًئياً .
حقيقة الأمر إن الرسوم الجمركية التى أعلنها الرئيس الأمريكى ترامب من الممكن أن تمثل لمصر ، فرص حقيقية قابلة للاستثمار ، والاستغلال والتوسع ، خاصة فى مجال المنتجات الصناعية التى تتمتع بها مصر بميزة تصديرية نسبية ، ونقوم بتصديرها فعلا للولايات المتحدة الأمريكية ، على سبيل المثال وليس الحصر صناعة وتصدير المنسوجات والملابس الجاهزة ، حيث تستأثر صناعة الملابس الجاهزة بنحو ٥٠ ٪ من الصادرات المصريه إلى الولايات المتحدة ، وبنسبة ١،٧ ٪ من واردات امريكا من الملابس الجاهزة مقارنة بما تستورده من تلك الصناعة من دول اخرى ،مثل الصين ٢٢٪ فيتنام ١٨٪و بنجلاديش و إندونيسيا حوالى ٥٪ لكل منهما ، وحيث أن نسبه الرسوم الجمركيه التى فرضت على مصر هى ١٠٪ فقط ، فى حين تتدرج نسب الرسوم الجمركيه على الدول الأخرى بين ٤٦٪ إلى ٢٢ ٪ . من هذا الفرق البين ، يمكن لنا أن نرصد الفُرص الحقيقية المتاحة لمصر والمتمثلة فى امكانية جذب الشركات العالمية من الدول المتضررة من الرسوم الجمركية الجديدة ذات الفئات المرتفعة إلى العمل والإنتاج فى مصر . حيث تتوفر العمالة الكثيفة الرخيصة والمدربة ، والبنية الأساسية الجاهزة ، أضف على ذلك سعر صرف الجنية المنخفض ، وهذا فى صالح تنافسية صادراتنا حال استطعنا زيادة انتاجنا من الملابس ليكون بديلا عن المنتج الصينى مثلاً ، من ناحية اخرى ، يمكن لمصر ان تستفيد من إتفاقية الكويز وبموجب تلك الاتفاقية يُسمح للصادرات المصرية بالدخول الى الولايات المتحدة. دون جمارك بشرط ان يدخل فيها مكون اسرائيلى ، بنسبة لا تقل عن ١٠,٥ ٪ .
وما ينطبق على المنسوجات ينطبق على سلع تصديرية اخرى يمكن لها فى ظل الفرق الكبير بين فئات التعريفة الجمركية على السلع المصرية ، مقارنة بتلك المفروضة على ذات السلع المنتجة من الدول الأخرى – يمكن لها – ان تتغلغل إلى الأسواق الأمريكية .
فما المطلوب لكى نتحرك تجاه تعظيم الاستفادة من هذا المنجم الذهبى من تلك الفرص التجارية الواعدة ؟
نحن فى حاجة ماسة للتحرك بسرعة لنستغل الفرصة ، و نكسب حصة سوقية و سمعة جيدة لمنتجاتنا التصديرية ، حتي لو بعد ذلك تم إعادة الرسوم الجمركية إلى قرب ما كانت عليه ، ولكن ستكون منتجاتنا وصادراتنا قد رسخت تواجدها فى اذهان المستهلكين ، وفرضت تواجدها فى الأسواق . من ناحية أخرى مطلوب المبادرة ببناء علاقات تجارية متبادلة مع الدول الكبرى المتضررة بالرسوم الجديدة مثل الصين ، ونقدم لهم تيسيرات تنافسية ،ونتيح لهم أراضى مرفقة بنظام حق الامتياز لمدد طويلة ، لبناء مصانع لهم على ارض مصر ، تنتج منتجات عالمية يكون بلد المنشأ فيها اسم مصر ، وبالتالى تستفيد الشركات الدولية من ميزة انخفاض الرسوم الجمركية على المنتجات المصرية مقارنة بتلك المفروضة عليهم ، .
ان التحديات التى ولدتها الرسوم الامريكية يمكن ان تتحول إلى سيناريوهات وخطط استراتيجية لتوسيع نطاق السوق امام مختلف الصناعات المصرية التصديرية سواء فى أمريكا أو الأسواق الدولية الاخرى بشرط زيادة الطاقة الانتاجية الحالية عن طريق تطوير البنية الأساسية واستخدام التكنولوجيا الحديثة ، والذكاء الاصطناعى ، وتوفير التمويل اللازم باسعار معقولة ، وعلى فترات طويلة تتناسب مع الدورة الانتاجية لقطاعات الصناعة وتدريب وتطوير العمالة الفنية اللازمة .
كما ان الأمر يحتاج إلى التعاون اللصيق بين الحكومة ومجتمع الأعمال، لوضع إستراتيجية لها أهداف محددة زمنياً وقابلة للقياس ، واجراءات عمل تحكم أسلوب تعاملها مع المستثمرين بعيدا عن التعقيدات الروتينية .
أن امامنا مجال جيد مليئ بالتحديات ولكنها قابلة للتحول إلى فرص بشرط قتل البيرقراطية وتوفير بيئية استثمار جادة ..