حسن بلغازي.. المثقف العضوي الذي فتح نافذة الهولنديين على الثقافة العربية
لم تمنعه إقامته في هولندا من إسناد العمل الثقافي بقصبة بني عمار

الدكتور حسن بلغازي من أبناء قصبة بني عمار الأوفياء، ولد في فاتح يوليوز من سنة 1948، انطلق مسلسل نهله للعلم والمعرفة من مدرسة القصبة عندما كانت ضيفة في منازل بعض السكان، قبل أن تُشيَّدَ بعرقهم وتعاونهم الجماعي في موقعها الحالي.
حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية بهولانداحول موضوع: دور الهجرة في التنمية الرأسمالية، كمااشتغل بعدة محطات للإذاعة والتلفزيون بهولاندا، وكان له الفضل في تأسيس العديد من المراكز الثقافية والاجتماعية التي تعنى بالمهاجر العربي، من أهمهاالمركز الثقافي الفارابي بأمستردام الذي أسهم بشكل كبير في التعريف بالثقافية العربية والإسلامية بأوربا،وتولى إدارته لعدة سنوات. اشتغل كذلك مستشارا للشؤون الثقافية بهولندا وشارك في عدة ندوات وملتقيات علمية دولية، آخرها لقاء حول الهجرة والتحولات الثقافية في التاسع من ماي الماضي بمدينة الجديدة، ضمن حوارت أكاديمية التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجامعة شعيب الدكالي ونادي الخطيبيللسينما والجماليات البصرية.
صدرت له مجموعة من الكتب والمؤلفات من بينها: “حول ثقافتين” سنة 1979 بالهولندية وترجم إلى الفرنسية والألمانية، “أساطير” سنة 1982 باللغة الهولندية، “من السوق إلى سوق الشغل” سنة 1984 باللغة الهولندية وترجم إلى الفرنسية والألمانية والإنجليزية،“من ذكريات أجنبي” سنة 1986 وهو المؤلف الذي يدرس منذ سنوات ولحد الآن بأقسام الثانوي في هولندا، “الثلث الخالي” (رواية) بالهولندية سنة 2009، كماأصدر سنة 2010 مسرحية “رحمة” التي تعرض بدور العرض في كل من هولندا وبلجيكا بمشاركة ممثلين هولنديين ومغاربة، كما له مجموعة من الكتب بالاشتراك. اختير لعدة مرات من بين 500 شخصية هولندية استقبلت من قبل ملكة هولندا.
سأتعرف على الدكتور حسن بلغازي، مباشرة بعد عودته من هولندا لأول مرة على اثر الانفراج السياسي الذي عرفته بلادنا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وكنت آنذاك رئيسا لجمعية قدماء تلاميذ بني عمار ونزالتها.
كان قد استقر بهولندا لسنوات، منذ اختياره للمنفى خلال سنوات الرصاص، هناك تابع تكوينه وأسس أسرته رفقة أكاديمية هولندية. انشغل بالثقافة ومنح الإشعاع والامتداد للثقافة المغربية والعربية طيلة سنوات، عندما أسس وترأس المركز الثقافي الفارابي بالعاصمة الهولندية أمستردام، حيث استضاف في لقاءات فكرية وأدبية لسنوات، كبار المثقفين والمبدعين العرب من حجم وقيمة:عبد الله العروي، وفاطمة المرنيسي، وبرهان غليون، ومحمد كسوس، وعبد الكبير الخطيبي، ونجيب محفوظ(اثر نيله جائزة نوبل للآداب)، ونوال السعداوي، وأدونيسومحمد بنيس، وعبد الرحمان اليوسفي قبل أن يتقلد منصب رئيس حكومة التناوب، ومحمد عابد الجابري، ومحمد الأشعري والطاهر بن جلون، وادمون عمران المليح، ومحمد زفزاف، وعبد الكريم طبال، وعز الدين التازي، ومحمد شكري، وآسية جبار، وعبد اللطيف اللعبي وأمين معلوف، كما استضاف البروفيسور محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل عام 2006 في مجال التمويل، ومخترع نظام القروض الصغيرة، الملقب بـ“مصرفي الفقراء”. . . وغيرهم كثير من مختلف الأقطاروالأمصار، ممن لا يسمح الحيز بذكرهم، فليس من السهولة استضافة هذه الأسماء وغيرها بما تمثله من ثقل ورصيد وازن في جغرافية الثقافة العربية خلال لقاءات امتدت لسنوات، فاتحا بذلك نافذة مشرعة للمجتمع الهولندي على الثقافة العربية الإسلامية.
هذا الرجل العماري الصلب والمتواضع، ذو النفس الطويل، لعب دورا كبيرا في توثيق جوانب كثيرة من حياة قصبة بني عمار والمنطقة في بعض كتبه السالفة الذكر. فعندما التقينا، وكان لا زال رئيسا للمركز الثقافي الفارابي، كان الهاجس المشترك هو العمل الجمعويالثقافي في قصبة بني عمار (ترابنا الأول)، وبعدما اخذ صورة مستفيضة عن تجربتنا الجمعوية آنذاك، اقترح علينا الانتقال من الأنشطة الجمعوية الثقافية المحلية المحدودة، إلى الأنشطة الثقافية المنفتحة على كل فئات الساكنة، والمشرعة في نفس الوقت على الأفق الوطني والدولي.
لذلك يعتبر الدكتور حسن بلغازي أحد مؤسسي مهرجان بني عمار زرهون (فيستي باز)، فهو من اقترح علينا تنظيمه بشراكة مع المركز الثقافي الفارابي الذي كان يترأسه في أخر سنواته. وهكذا كانت أول دورة للمهرجان في ربيع سنة 2001 بشراكة مع المركز وبحضوره الشخصي كرئيس له. ومنذ ذلك الحين والى يومنا هذا، لم يتأخر عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لضمان استمرارية المهرجان وتحقيق مشروعنا التنموي في أطار جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة. فرغم تغيير توقيت المهرجان من فصل الربيع إلى فصل الصيف بعد ثلاث دورات، مما لم يعد يسمح له بالحضور، إلا انه بقي وفيا لهذه التجربة الثقافية التي كرست حضورها وإشعاعها دوليا واستضافت أسماء كبيرة ووازنة من المثقفين والفنانين المغاربة والأجانب. ورغم التأجيلات التي تعرضت لها دورات المهرجان بسبب ضعف التمويل والعراقيل التي تضعها بعض الجهات في طريقنا، كرد فعل على تفرده وإشعاعه الذي طال القارات الخمس للعالم، فقد داوم حسن بلغازي على تواصله الذي لم ينقطع على امتداد 24 سنة، يسال عن أحوال العمل وأشواطه ومراحله والعقبات التي تطرح في طريقه ويبحث معنا على الحلول. يقدم الاقتراحات الوجيهة لتطوير التجربة بحكم خبرته الطويلة، وينصت جيدا للعاملين منا في الميدان، كما كان حضوره خلال الدورات الأولى وفي الدورة 13، التي نظمنها في ربيع سنة 2024، مناسبة لربط حاضر العمل الثقافي بماضيه في بني عمار، عبرتقديم شهادات قيمة حول واقع القصبة ومناخها الثقافي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتفاصيل مواجهة ساكنتها للاستعمار الفرنسي وتجربة النادي العماري الثقافي، كأول إطار جمعوي عرفته قصبة بني عمار. والدور الذي كان يلعبه المسجد الكبير في تحصيل العلم والمعرفة كما لو كان جامعة، بالإضافة الى حيوية المهام التي كانت تقوم بها الزوايا الصوفية الأربع(التيجانية والدرقاوية والعيساوية والحمدوشية) التي كانت مقراتها بالقصبة تقوم بادوار تثقيفية ودينية، فضلا عن دور فرقة الملحون في تاثيت الفضاء الفني وتنشيط أفراحالعماريين، والحركة الكشفية التي كانت نشيطة أواخرخمسينات وبداية ستينات القرن الماضي.
ورغم استقراره في هولندا معظم أيام السنة، إلا انه لا زال إلى يومنا هذا احد أعمدة تجربة جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة ومهرجان بني عمار زرهون الذي تنظمه، ويعود له الفضل كثيرا في تأسيسه كما في استمراره.
لم نتمكن حتى ألان من الاحتفاء بمؤلفاته التي تحتل فيها القصبة والمنطقة مكانة بارزة، لأنها لم تترجم إلى اللغة العربية. وسيبقى من أهم طموحاتنا أن نتمكن في إطار ثقافة وتقاليد الاعتراف التي يغرف منها مهرجاننا، من الاحتفاء بهذه القامة العمارية الجمعوية والثقافية والإبداعية الكبيرة، سواء كأكاديمي وكاتب مبدع، أو كرئيس للمركز الثقافي الفارابي، أو كمؤسس لمهرجان بن عمار زرهون وفاعل أساسي حاليا ضمن جمعية ARDI، أو كأحد الأوفياء الخلص لقصبة بني عمار وجبل زرهونعموما، وذلك ما نطمح إلى تحقيقه في دورة قريبة.