الرياضة التي أفهمها من فعل “يتريض” أي يمارس وينشط حفاظا على صحته ورغبة في أداء وظائف حياته بشكل فعال وكفء. لا تعنى كلمة رياضة “مشاهدة” أو “تعليق” إلا من باب “فرجة الكسالى” على المتريضين، وهذه الفرجة من باب التسلية واللهو وقتل الفراغ، ورغبة في متعة وتسلية عند البعض، والبحث عن انتصارات لحظية وامضة خاطفة عند البعض الآخر، تعويضا عن آمال هاربة في أرض الواقع.
الرياضة التي أفهمها يجدها طلاب المدارس في حصص كاملة للألعاب كالتي تعلمنا فيها كرة القدم والسلة واليد وخضنا من خلالها دوري المدارس وكنا نزور أحياء حول المحافظة بفريقنا المدرسي لرفعة شأن مدرستنا، فتولدت عندنا في سن باكر أولى مراحل الانتماء المحلي.
الرياضة هي أن يجد الناس في كل حي – لا يزيد عدد سكانه عن 10 آلاف نسمة – ملعبا رياضيا ومركز شباب، بدلا من آلاف المقاهي والشيشة والبانجو وتدمير صحة الشباب الهاربين من المدارس.
الرياضة هي بعث خلاق في طاقات الجسم في حماية من ارتكاب أخطاء فورة الشباب، وذلك بتوفير فضاء مكاني للجري واللعب واللهو والمرح، في منافسات بدنية وليس في مهرجانات أغاني تلتصق فيها الأجساد أمام تخاريف وعواء يسمونه مهرجانات شعبية. فضاء مكاني للملعب والرياضة بدلا من المقهى في الحي الفقير والمول التجاري المتكرر في الأحياء الغنية.
الرياضة الحقة تراها في هيئة البشر، في جسد الفتيان الأشداء الذين سيقفون خلف آلات المصانع، تراها في الفتيات الصاعدات الرشيقات لا المترهلات، ولا تفتقدها في جسد الزوجات اللائي أصبحن بأحجام لا شكل لها بعد الولادة الأولى والثانية ففقدن جمالهن، وفي الكرش المترهل للزوج الذي – للمفارقة – يجلس أمام الشاشة يدخن سيجارة تسد رئتيه ويلعن هذا اللاعب او ذاك لبلادته وكسله !
ما نراه على شاشات الطقوس العالمية لا علاقة له بالوطنية من قريب أو بعيد، هذه الفرق لا تمثل بالضرورة “الوطن” ذلك لأن الوطن يصنع بأشكال أخرى والانتماء يجمع الناس بأشكال أخرى، الوطن لا ينهزم 2 – صفر فنسخط عليه ونلعنه،الوطن لا يكسب 3 -1 فنجعل منهه عجلا مقدسا، الوطن عملية مستمرة لا تتوقف ولا تخبو عبر الزمن، الوطن حب الناس لأرضهم وشعبهم وحكومتهم وثقتهم فيها وفي استقلالهم والسعي إلى مصالحهم بحكمة ورشاد وإفساح المجال للتعبير عن الرأي. الوطن ان أحلم أن أعيش هنا وأتمنى أن أموت هنا لا أن أهرب إلى أي بلد في أي مكان في العالم لمجرد الفرار من “الوطن”.
الفرق التي تلعب في كأس العالم لا تمثل الأوطان بالضرورة، بل هي جزء من نظام أمولة (من المال) وتنسيق تسليعي وتسعيري ومنهج رأسمالي استهلاكي وشبكة علاقات بالغة التمدد من الفساد الدولي. انظر إلى حروب اليوم في 2022 ، الدول تحارب باستخدام شركات قتل مرتزقة لتحقيق أهدافها “الوطنية”، أيمكنك إذن أن تنافح عن أن هذه أو تلك فرق “وطنية”.
المتاجرة باسم لاعب هنا أو هناك باعتباره نموذجا يحتذى لكل ملايين الشباب في بلده المتخلف رياضيا هو محض أكذوبة سخيفة وخرافة ساذجة، ملايين الشباب في حاجة لأن تجد ممارسة الرياضة في أرض الواقع دون أن تصبح بالضرورة هذا النجم. كفى تغريرا وخديعة للشباب بالمتاجرة باسم هذا النجم، دعوهم يتمتعون بالرياضة ويفرحون بها ولا يرهنون حياتهم على صدفة احتمال تحققها بنسبة 1 في الـ 100 مليون..ولن تتحقق إلا مرة كل قرن.
المثلية الجنسية ضاربة في صفوف مجتمعات تقليدية وإسلامية وعربية قبل أن يعرف الغرب شعار المثلية الجنسية بمعناه الحديث. المفارقة أنها نشأت في المجتممعات القبلية المغلقة لأسباب الاستبداد السياسي واستعباد البشر وسطوة شيوخ القبيلة واستحواذ السلطة وإغلاق المجال على الناس أن يقولوا رأيهم ويختلطون معا فيشكلون مجتمعا متجانسا قويا يطالب بتوزيع الحقوق. رفض المثلية واجب إنساني لكن المزايدة على المثلية الجنسية بهذا الشكل سخف وبطولات زائفة وانجرار مقزز.
يمكن للدول أن تغسل سمعتها السياسية مؤقتا بالمؤتمرات والمناسبات الرياضية لكنها لا يمكن أن تصنع إنجازا حقيقيا على أرض الحضارة إلا بالعلم والتعليم.
ومن أسفٍ أنه في الوقت الذي ينخطف فيه الملايين منا وراء مشاهدة “الرياضة” – أو بالأحرى خدعة الرياضة – تعلن المؤسسات العالمية عن وقوع بلادنا في ذيل قائمة دول العالم في التعليم، فإذ بأوطاننا التي نتشدق بأنها اخترعت التعليم والعلم والثقافة والنور والفلك والفلسفة تجلس في ركن مظلم بالغ الخطورة من جراء تردي التعليم في المدارس والجامعات.