الظلام سائد والأمطار مستمرة والأرض موحلة والزحام حول القبر يزداد، والجثة الممدة رائقة مطمئنة وجهها بشوش راضي.
المزدحمون بما فيهم من رجال أشداء وشباب، من الهيبة لا يستطيع التقدم أكثر من الجثمان المهيب، الكل كوّن حول الجثة حلقة واسعة، تقدم أحد أحفاد ترمس بمصباح وقربه في خوف من وجه الجثة.
همس أولا ثم بصوت عال أقسم بأن الجثة لجده ترمس. تقدم عدد من العواجيز الذين شاهدوه حقيقة وهم صغار, فأكدوا أن الجثة جثة بطلهم ترمس النجار.
ساعة زمن في الليلة الباردة، وناس البلدة ومعهم الغرباء من التجار، يتلون الآيات الدينية؛ فهو صاحب الفضل على الجميع، وبسببه نمت البلدة وتعملقت، وصارت مصدر رزق للألوف، وينبوع ثروات للتجار وأصحاب المهن.
سمعوا من الأعالي ما يشبه تراتيل زقزقات عصفورية، وصفير خافت خاشع يصاحبه. نظروا حيث السماء السوداء، خالية من القمر، فقط نجوم متناثرات تبرق في تَعَبّد. شاهدوا أضواء خفيفة لينة كأوشحة زرقاء تتمايل تقترب مع النسائم والزقزقات الرقيقة الحانية مستمرة.
كوكبة من الجن آتية، أكيد هم عائلة تِرمس النجار الجنيّة. أوسعوا دائرتهم أكثر حول الجثة الممدة على المقبرة. هبطت أشباح الأضواء الزرقاء على علو ذراع من الأرض فارتفعت الجثة لأعلى قليلا ليتمدد تحتها بساط حريري لامع بلون الذهب والفضة يحتويها زرقة شفافة.
ارتفع البساط حاملا جثة تِرمس النجار وطار بها وكأنه بساط الريح الحريري، وحوله الجن في الأوشحة اللامعة. البشر على الأرض ينظرون لأعلى يتابعون الجنازة اللامعة السابحة في الفضاء الأسود الشفيف، يسبحون ويهللون لله خالق كل الكائنات وأصل كل المعجزات. جنازة لم تحدث ولم تتخيل من قبل. الجنازة الزرقاء تعبر سماء البلدة ثم سماء البحيرة جنوبا، وتتخطى من علوها مزنق الجبال العالية لتختفي، فيكون هذا هو الذهاب الثاني والأخير لتِرمس النجار، حيث لا عودة بعدها.