منوعات

أحمد الشهاوي يكتب : مهنة الكتابة .. والأثر الخالد!!

لستُ معنيًّا بشيءٍ في هذه الدنيا سوى الكتابة ، فأنا أجتهد وأقرأ وأتأمَّل وأرى وأنظر إليَّ ، وأتتبَّعُ حلمي ، أما الأثر الباقي أو الخالد ، فالزمن له غِرْباله وهو ما سيحكم ، إذْ الشاعر يصير عاريًا تمامًا إلا من نصه ، فلا منصب ولا وظيفة ولا مال سينفع صاحب الكتابة ، لأنَّ الكتابةَ وحدها قادرة على التحدي ، ومواجهة الآخر الذي يتربَّص بها .

وأنا لا أسعى إلى الخلود ، لكنني أحلم فقط بنص يبقى ، ودومًا أقول أتمنَّى أن أرحل عن قصائد قليلةٍ يتراوح عددها بين سبع وعشر قصائد ، تكون قادرةً على المجابهة ، وحمل اسمي ، دون روافع ، أو قيم مُضافة من خارج الشعر ، لأن تاريخ الأدب يقدم لنا ثبتًا طويلا بالذين سقطوا من القيد ، بمجرد تجريدهم من القيمِ المُضافة كالشُّهرة والنجومية والغنى والوظيفة والمركز ، والأسماء أكثر من أن تُحصى وتُحصر .

أما أن أعيش بلا حلمٍ تحت راية التواضع ، فهذا ما لا أرضاه لنفسي ، فلاشك أنني حالمٌ كبيرٌ ، والحلم ديانةٌ مشرُوعةٌ وشرعيَّة ، وما من شيءٍ حلمتُ به إلا تحقَّق ، حتى لو جاء ذلك التحقُّق متأخرًا سواء أكان في الحُب أم في المال أم في السكن أم في السفر ، وكذا في النشر والجوائز والنقد والترجمة ، وقد تحققت معظم هذه الأشياء في سنٍّ مبكرةٍ ، ولا شك أنني محظوظٌ ، لكنَّ الحظ ليس أعمى ، لأنه لا يُصادف إلا من كان أهلا له ، أي أنه يعرفُ طريقه بإتقان ، ولمن سيذهب ، والحظ عموما يحتاج سعيًا وبحثًا ومساءلةً ، وقبل كل ذلك يحتاج إلى كتابةٍ مختلفةٍ ، تشبه صاحبها ، وإلى عقلٍ يعي ويُخطِّط لمُنجزه ، لأن أية كتابة جيدة تحتاج إلى عرضٍ ، والعرض عندي يتمثَّل في النقد والمتابعة والنشر والترجمة ، وهذه عمليات – للأسف – تتطلب وقتًا وجهدًا ومالا ، وهي عملية لا نقدر عليها ، وكلنا نكتب كهُواةٍ لا كمحترفين ، مثلما أرى زملائي وأقراني في الغرب ، لكنني منذ سنواتٍ مضت أعيشُ وأكتبُ كمحترف ، حيث تفرغتُ كليةً للكتابة والشعر ، ولم تعد الصحافة – مهنتي – تأخذ منِّي وقتًا كما كان في السابق ، فكل من مارس هذه المهنة من الشعراء والروائيين في العالم عليه أن يعي ويدركَ ما الوقت الذي عليه أن يغادر مهنته ، ويكتفي بما أنجز فيها مثل أرنست هيمنجواي (21 من يوليو 1899 – 2 من يوليو 1961 م)، وجابرييل جارثيا ماركيث ( 6 من مارس 1927-17 من أبريل 2014ميلادية) .

وأتصوَّر أنَّ النصَّ الشِّعري المُغاير والمُفارق للسَّائد والمُتاح هو العابر للأزمان ، والذي يحملُ في عمره حيواتٍ كثيرة ، ومن ثم سيبقى في ” اللوح المحفوظ ” ، وهو ذلك المتن الذي تلتمُّ فيه النصوص الكبرى ، وفي ظل غياب المرجعية النقدية المواكبة لتلك النصوص ، تبقى الكتابة وحدها هي المُقاوِمة لأي فناءٍ ، لأنها ليست ابنةً للراهن والحدث ، والعابر المؤقت.

والنصُّ لا يكون خالدًا إلا إذا كان قادرًا على الانتقال من بيئةٍ إلى أخرى ، ومن لغةٍ إلى لغة ٍ ثانيةٍ ، وحُرًّا فاعلا مؤثِّرًا ، وباثًّا لنارهِ في الأنفسِ أيًّا ما كانت لغاتهم وثقافاتهم ، وهنا أتحدَّث عن النصِّ الشعريِّ ، وليس النصوص الدينية المقدسة ( إلهيا وأرضيًّا ) .

وكل نصٍّ باقٍ يحملُ علامات بقائه واستمراره في بنائه ، وهناك نصوصٌ أُهمِلتْ في حياة كاتبها أو لم يُقدَّر لها الذيوع رغم أهميتها ، وصارت بعد وفاته خالدةً ، ومن العلامات البارزة في الخلق الإبداعي ، وعمُومًا لا يستطيع أحدٌ أيًّا كانت سلطاته وسلطانه أن يمنعَ نصًّا كبيرًا من البرُوز ، ولا أن يمنح نصًّا ضعيفًا بقاءً لا يستحقه ، لأن القارىء صعبٌ ، وليس ساذجًا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى