منوعات

أحمد الشهاوي يكتب : فى عشق أبو الحسن الشاذلي!

وأنا في قريتي كفر المياسرة ، كنت أجهل من يكون أبو الحسن الشاذلي ” 593 – 656 هجرية ” ، ولكنني ذهبت إلى الجامع مع الذاهبين إلى الصلاة ، ثم الحضرة الشاذلية ، والتي كان يحضرها أخي الأكبر محمد والأصدقاء والأحباب والأقربون إلي روحيا وعائليا.

وما كان ذهابي وقتئذ إلا تقربا إلى الله ، ومعرفة التصوف ، ومن أبو الحسن الشاذلي؟ ، الذي سأغادره بعد ذلك عندما أعثر على أو أكتشف ذا النون المصري ، وأنا أدرس الصحافة في قسم الصحافة بكلية آداب سوهاج في جامعة أسيوط “جامعة سوهاج حاليا” ؛ لأنه عاش في أخميم، كما أنني تعرفت إلى السيد أبي ضيف المدني ، وهو من المهتمين بذي النون المصري ، وقد خصص له كتابا صدر عن دار الشروق ” ، ولم تعد طباعته ثانية للأسف ” ، وبعدما قرأت كتاب عبد الحليم محمود عن ذي النون المصري ، وكتاب ” المكنون في مناقب ذي النون ” للإمام جلال الدين السيوطي .

وذو النون المصري هو الذي فتح أمامي الطريق للإشراقيين من المتصوفة من أمثال الحلاج ، والجنيد ، وعمر بن الفارض ، والسهروردي ، وأبو بكر الشبلي ، وأبو مدين الغوث ، ومحيي الدين بن عربي ، وأبو يزيد البسطامي ، وعبد القادر الجيلاني ، وعبد الكريم الجيلي ، والنفري ، وعفيف الدين التلمساني وسواهم من متصوفة بلاد فارس وفي مقدمتهم جلال الدين الرومي ، ولكن لولا الطريقة الشاذلية ، وبدايتي المبكرة في القرية ، واهتمامي بالموالد ما تعلقت وانشغلت بالتصوف والمتصوفة وقرأت كتاباتهم في مصادرها ، وقد ظللت أبحث عن الأسماء غير المطروقة أو المتداولة أو المتاحة لدى المثقفين والشعراء خصوصا، تلك الأسماء التي أشار إليها المستشرقون أو المستعربون أو الشعراء ، والتي صارت مصادر أساسية أو مراجع روحية أو لغوية، الكتابة الشعرية خصوصا في حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي .

في الحضرة الشاذلية التي كانت تعقد عقب صلاة العشاء ، حفظت الأوراد والأذكار الشاذلية ، وكنت مواظبا على الحضور والمشاركة في طقس إيقاعي فريد ومختلف وجديد علي ، خصوصا أنه كان معنا مريد اسمه “وهبة” قد أدخل آلة العود إلى المسجد ، وكان عزفه يرافق أذكارنا، ولم أر أحدا في ذلك الزمان قد اعترض على إدخال آلة موسيقية إلى المسجد، وظل على هذه الحال طوال سنوات وجودي في القرية ، وأتصور أن هذا الأمر لو وقع الآن ، لكان ” وهبة ” مقتولا على أيدي السلفيين والمتشددين الذين ضيقوا على الطرق الصوفية ، ومنعوا الموالد ، وشددوا فيما يسره الله والدين.

لم أبتعد عن الجو الروحي ، منذ أن دخلت التصوف حتى اليوم ، وأظن أن لدي مكتبة مهمة في منجز المتصوفة ، وكنت أخذت عهدا على نفسي منذ سنوات أن أهتم بالنصوص والمتون فقط ، وأبتعد عن الشروح والتفاسير الصوفية ؛ لأنها أخذت مني وقتا طويلا في حياتي ، كما أنني وأنا أطوف البلدان العربية والإسلامية زرت مقامات ومزارات الأولياء والمتصوفة ، وكانت في طليعتها المغارة التي كان يعتكف فيها أبو الحسن الشاذلي ، حيث صعدت إلى الجبل في مدينة تونس ، وتكررت زياراتي وتعددت للشاذلي كلما كنت في تونس ، مثلما أنا حريص على زيارة عمر بن الفارض في القاهرة “المقطم” ، ومحيي الدين بن عربي”دمشق” .

دخولي المبكر إلى التصوف خلع علي المحبة والمعرفة والشوق والسؤال والبحث ، و” من عرف العشق صغر أمامه كل شئ ” .

التصوف دلني إلى باب الله ، دلني إلى نفسي ، وجعلني أمشي في طريق أهل الباطن ، علني أرى سادات الوقت وأقطابه في زمن ما أو مكان ما ، ولكنني – للأسف- لم أجد إلا مريدين ولم أر شيوخا كأسلافي، وربما هناك أقطاب محجوبون عني ، وآمل أن أراهم أو ألتقي أحدهم ، يكون كلامهم إلهاما من السماء ، وليس علما مكتسبا من الدروس والكتب ، وإعادة صياغة لما خلفه السائرون في طريق القوم من الإشراقيين، وليس تقليدا أو توليدا ، وإنما وهب وبصيرة ، حيث تكشف الحجب لأهلها.

مع الطريقة الشاذلية ” وجدت الله في كل شئ ، وعند كل شئ ، ومع كل شئ ، وفوق كل شئ ، وقريبا من كل شئ ، ومحيطا بكل شئ ” .

عرفت أنه ” كم من غريق في شئ لا يعرف بغرقه” ، وعرفت أن شراب المحبة هو ” مزج الأوصاف بالأوصاف ، والأخلاق بالأخلاق ، والأنوار بالأنوار ، والأسماء بالأسماء ، والنعوت بالنعوت ، والأفعال بالأفعال؟.

حفظت قلبي عن إرادة الدنيا هذا ما تعلمته وأنا في القرية ، وقنعت بما قسم الله لي ؛ لأنني آمنت أن سر الله مودع في قلبي ، وهذا هيأ لي سياحة في المكان والروح، والسفر الدائم لجمع ما خفي عني ومحاولة كشفه بالمجاهدة ، حيث تفرغت سنوات لإكمال نقصي ، ومازلت أراني ينقصني الكثير الذي أحتاج إليه ، وكشف نفسي أكثر من ذي قبل ، وأعيش دائما في مكاشفات ومشاهدات ، وتترقى حالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى