أحاط المصريون آلهتهم بأساطير كان الناس يحفظونها كما تحفظ الكتب المقدسة ، وقد أحب المصريون هذه الأساطير لشعبيتها ولأنها صورت المعبودات في صور بشرية ، فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ويختصمون ويتحاربون ويتقاضون ، ويأتون كل ما يفعله البشر ، ومن أشهر تلك الأساطير وأمتعها ، أسطورة إيزيس أوزوريس.
أسطورة إيزيس أوزوريس :
وهي قصة شائعة فيها متعة للعقل وغذاء للنفس ، وأصل القصة أن المصريين القدماء قدسوا كغيرهم من الأمم القديمة عناصر هذا الكون فتخيلوا الأرض والسماء زوجين من ذكر وأنثى كانا متصلين ثم انفصلا وانتشر الهواء بينهما ، ثم يولد لهذين الزوجين من البنين اثنان هما : أوزوريس وست ، ومن البنات اثنتان هما : إيزيس ونفتيس ، فأما أوزوريس فقد تزوج أخته إيزيس وتولى حكم الأرض فصار فالرعية بالعدل ، وقدم للناس من الصالحات ما جعله في مجال الخير مثلاً ، كما أعطي الملك فأحسن سياسته وأدار دفة الدنيا إلى بر السلام ، وعلم الناس الزرع ، وشرع لهم الأحكام والقوانين ، وخطط لهم القرى والمدن .
أما ست فقد تزوج من أخته نفتيس ، ولكنه كره أن يؤول ذلك الملك إلى أخيه أوزوريس ، وغاظه أن يرى له تلك المكانة الرفيعة بين الناس ، فامتلأ قلبه حسدًا وحقدًا عليه ، وسولت له نفسه قتل أخيه الطيب ، فصنع تابوتًا من الذهب رائع الصنع ، مضبوط القياس على مقاس جسم أخيه أوزوريس ، ثم أولم وليمة كبرى دعي إليها أوزوريس ، وطعم فيها القوم ما لذ وطاب لهم من طعام ، وشربوا ما راق لهم من شراب ، ثم أخبر رب الدار ضيوفه بأنه قد أعد لهم مفاجأة سارة ، تتمثل في هدية هي تابوت من ذهب ، لمن يجيء على مقاسه ، وقد تعاقب الضيوف في الاضطجاع في التابوت .
حتى جاء دور أوزوريس ، وأخذ في التابوت مضجعه ، فبادر ست وأتباعه بإحكام الغطاء على التابوت وبداخله أوزوريس ، ثم حملوا التابوت وألقوه في النيل ، ولم يلبث أن جرفه نهر النيل إلى البحر الأبيض المتوسط ، الذي تحمله أمواجه إلى فينيقيا (لبنان الحالية) ، ثم تقذف به إلى ساحل جُبيل وما لبث أن نبتت فوق التابوت شجرة ضخمة أخفته عن عيون الناس .
أما زوجته المخلصة إيزيس ، فقد ذهبت تبحث عن زوجها ، ضاربة في مشارق الأرض ومغاربها ، لا يشقيها بحث ، ولا يدركها ملل ، ثم هداه الله إلى مدينة جُبيل ، وظلت بتلك المدينة حين من الدهر حتى نجحت في الهروب بجثة زوجها أوزوريس ، وركبت بها البحر إلى مصر .
انزوت الزوجة بجثة زوجها في مكان ناء من مستنقعات الدلتا ، حيث قامت بالصلاة والابتهال إلى الله أن يرد له الحياة ، فاستجاب الرب لندائها ، وردت إلى أوزوريس الحياة ، وانطلقت صيحات الفرح من فمها في جوف الليل العريض ، في تلك الآونة كان الشرير ست يقوم برحلة صيد قريبًا من ذلك المكان ، فما كاد يسمع الصوت حتى اتجه مسرعًا صوبه ، فإذا هو يعثر على أخيه ، وقد عادت إليه الحياة ، فيثور لذلك أشد الثورة ، ويأمر بتمزيق جثة أوزوريس ، ويقرر دفن أعضاء القتيل في أقاليم مصر الإثنى والأربعين .
ولكن الأسطورة لم تكد تدع أوزوريس يستشهد على النحو السابق ، حتى تستولد له إيزيس ، فولد له ابنهما حوريس أو حورس ، بعد أن حملت به من روح أبيه ، ثم أخفته في أحراش الدلتا حتى كبر ليكون في مأمن من غدر عمه ست وشره .
وما كاد حوريس يبلغ سن الشباب حتى جمع الأنصار توطئة للانتقام لأبيه والمطالبة بعرشه ، والتف الناس حول حوريس ، وانقسمت البلاد من أجل ذلك إلى حزبين ، وشاء الله أن يؤيد حزب الحق والخير والعدل ، فنصر حوريس على عمه نصرًا مبينًا مؤزرًا ، ثم يفصل قضاء الآلهة في هليوبوليس بين المتخاصمين ، ويحكم لحو ريس بعرش أبيه فيصبح ملكًا متوجًا على مصر ، ويقضي بتنصيب أوزوريس إلهًا للموتى .
العبرة من الأسطورة :
تلك هي أسطورة إيزيس وأوزوريس ، وهي قصة الصراع بين الخير والشر ، كما رأينا في أحداثها ، فالأسطورة صورت الأخوين يختصمان خصامًا يذكرنا بخصام ابني آدم : هابيل وقابيل ، حين قربا إلى الله قربانًا فتقبل من أحدهما ، ولم يتقبل من الآخر فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله .
وقد رأينا معًا في هذه القصة كيف تمكن الشر من الخير في بادئ الأمر ، ولكن دولة الشر والظلم قصيرة الأجل، ولابد لدولة الخير والحق أن تنتصر في آخر الأمر .