منوعات

نصر القفاص يكتب : السادات وإسرائيل!!

يقبل التاريخ تحدى كل الذين يحاولون تزييفه.. تملك الحقائق قوة تجعلها قادرة, على الصمود فى وجه الأكاذيب.. تستطيع مصر أن تخلع الأقنعة عن وجوه الذين يراهنون على براعتهم فى الخداع!!
يفشل دائما كل من يمارس السياسة, على أنها إبداع فى صياغة أوهام وأحلام!!

القاعدة التى تقول “تكلم حتى أراك” إستمرت لا تحتمل تشويها أو نفيا.. فالذى يتكلم بقناعاته يصعب أن تضبطه كذابا.. أما الذى يتكلم زورا وبهتانا, يكشف نفسه بمرور الزمن!!

حاول “أنور السادات” تأليف تاريخ فى حياته.. كشفت الوثائق والمستندات والوقائع, إضافة إلى شهادات الذين عاصروه قربا أو بعدا.. كل الذين حكموا بعده تعلموا منه أن السلطة تحمى من يملكها.. ربما لأنهم استسلموا لنشوة الحكم, والبريق الذى يحيط بالحاكم.. والفارق كبير جدا بين الذين حكموا مصر, والذين تحكموا فيها كوطن ومجتمع!!

رواية مؤسس “الجمهورية الثانية” لما فعله كى ينفرد بالسلطة.. صارت واحدا من فصول منهج حكمه.. فهو يقلل من قيمة كل من اختلف معه.. لا مانع عنده من أن يلعنه أو يسبه.. يكيل الاتهامات.. يقول ما يصعب استيعابه أو تصديقه.. يجعل خصومه أعداء للوطن.. يتحدث عنهم على أنهم يريدون هدم مصر.. كما لو كانت مصر لوح زجاج.. يطير بداعميه إلى عنان السماء, ثم يقذف بهم لأعماق الأرض إذا أراد أن يتخلص منهم!!

يقول “السادات” فى حواراته مع “موسى صبرى” التى أعاد نشرها فى كتابه: “جمعت اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى فى البيت عندى.. قلت لهم: جمعتكم اليوم وتلاحظون عدم وجود اثنين هما: على صبرى – كان قد أصدر قرار إقالته – وضياء الدين داوود.. وأى كرسى هنا لا يستحق أن يجلس عليه أى منهما”.. ثم يضيف قائلا: “إنتهى الاجتماع.. فى صباح اليوم التالى إستدعيت شعراوى جمعة وأبلغته.. لقد قررت تصفية الاتحاد الاشتراكى كله وحله, وأن تجرى الانتخابات من القاعدة إلى القمة.. على أن يجتمع المؤتمر القومى فى 23 يوليو, وبوصفك أمين التنظيم.. روح جهز نفسك واشتغل.. أجاب: حاضر يا فندم”!!

اللغة التى يتحدث بها “الرئيس” يتعفف أن يقولها “عمدة قرية” لأنه وصل إلى حد قول – حسب ادعائه – “أى كرسى هنا لا يستحق أن يجلس عليه على صبرى وضياء الدين داوود”.. جاء ذلك بعد قوله: “جمعت اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى فى بيتى” ثم يقول: “إستدعيت شعراوى جمعة وأبلغته.. قررت تصفية الاتحاد الاشتراكى كله وحله”.. ثم أضاف: “روح جهز نفسك واشتغل.. أجاب: حاضر يا فندم”!!

وكل هذا كان تمهيدا لانطلاق زمن الديمقراطية على الطريقة “الساداتية”.. ثم يمضى فى الحكى ليروى أنه بعد ذلك جهز للمعركة – حسب وصفه – ويسترسل: “طلبت من فوزى سكرتيرى – فوزى عبد الحافظ – أن يتحدث إلى ممدوح سالم محافظ الإسكندرية.. أن يطلب منه ركوب سيارته, ويحضر إلى الجيزة – بيته – دون أن يتوقف فى أى مكان.. وفى الظهر أرسلت إلى سامى شرف.. قلت له: أطلب منك الذهاب إلى شعراوى لكى تبلغه أن يقدم استقالته.. لأننى لا أريد إقالته مثل على صبرى إكراما له”!!

لا أعرف إذا كان “السادات” يدرى أنه يتحدث عن “مؤامرة” أو لا يدرى.. لأنه يذكر: “قال لى الليثى ناصف أنه جاهز, وكانت تفصيلات الخطة عنده.. معدة قبل ذلك بشهرين.. الواجبات موزعة, دون أن يدرى أحد.. كان أساس الخطة حماية القاهرة, ودخول أى معركة مع أمن مركزى أو قوات مسلحة.. وخرج الليثى ليكون إلى جوار تليفونه ينتظر إشارة البدء.. قبل أن ينصرف.. سألته إيه رأيك فى سامى شرف.. قال لى.. سامى كويس يا فندم, وعلى ضمانتى ولو حدث منه شئ فهذه مسئوليتى أمامك.. قلت له أنا عينت ممدوح سالم وزير داخلية.. سيحضر من الإسكندرية لحلف اليمين, وبعد ذلك تبدأ المعركة.. أنت تعلم يا ليثى أننى لا أدخل معركة خاسرة.. إجهز.. شد الدبابات”!!

يقول مؤسس “الجمهورية الثانية” للشعب أن خطته للإطاحة بشركاء الحكم جاهزة قبل شهرين.. ويكشف عن تجهيزه لقتال داخلى: “كان أساس الخطة حماية القاهرة.. ودخول أى معركة مع أمن مركزى أو قوات مسلحة”!! ولو أن الذين حاكمهم على أنهم “مراكز قوى” اختاروا التحدى.. فهذا معناه تفجير بحور من الدم فى لحظة خطيرة على الوطن والمجتمع.. واعتبر أن “لحظة الصفر” تبدأ بعد حلف وزير الداخلية الجديد اليمين – ممدوح سالم – ثم قال: “إجهز.. شد الدبابات”!! وبالتأكيد ستأخذ الصدمة “عشاق السادات” حين يقرأون ما أنقله على لسانه, عبر محاميه الأول.. لكنه راح يتهم كل هؤلاء بأنهم أغبياء, لأنهم اختاروا الاستقالة وتجنيب البلاد كارثة.. وهنا لابد أن أذكر أننى لا أعرفهم.. كنت فى هذا الوقت أضع قدمى على أعتاب الشباب..

لكننى أقرأ التاريخ وأدقق تفاصيله.. يكفينى أن أنقل نصا كلام “السادات الذى يحدثونك عن عبقريته”.. ويرددون قول من أراد وصفه به بأنه “داهية سياسية” وراحوا يحقنون الشعب بأن خصومه.. متآمرين.. بلهاء.. جبناء.. كانوا كالعصافير.. إصطادهم بحجر واحد.. بينما كلهم ذهبوا إلى خلف القضبان, لا يملكون غير الصمت والقهر.. كلهم كانوا رجال دولة.. يؤكد ذلك “أنور السادات” نفسه حين يذكر أن “محمد فوزى” وزير الحربية قال: “رجال الجيش يريدون إنهاء معركتهم.. معركة التحرير.. لا يريدون معركة داخل البلد.. وأنا فقط مستعد أن أقدم استقالتى معكم.. وهذه استقالتى” وقال ذلك ردا على أحد المدنيين – سعد زايد – حين طلب منه: “شوية دبابات تنهى الموضوع” حسب رواية “السادات”!!
لا أظن أن “حكاية السادات” إلى هنا تحتاج إلى تعليق!!
لكنه قال بعد ذلك.. ما يجب أن نتوقف عنده بهدوء!!

يقول “السادات” عن “سامى شرف” أنه: “تحول إلى حالة شبه إغماء.. أخذ يبكى لأكثر من ساعتين.. قلت له يا سامى.. من يوم حكاية هيكل فى اللجنة التحضيرية لما كتب عبد الناصر ليس أسطورة, وكانوا يريدون فصله.. إتهموه بالخيانة.. أحضرت هيكل لكى يواجهوه.. أنا عند كلمتى.. لن أتخذ إجراء ضد أحد إلا بالمواجهة.. عندى الآن البينة على تآمر شعراوى.. سأل سامى شرف: أى بينة؟.. قلت له: عندى الدليل الدامغ.. أشرطة مسجلة حصلت عليها”!! ثم يضيف: “حضر ممدوح سالم.. حلف اليمين.. باشر مسئولياته.. كان موقفه كله رجولة ووطنية.. أقال مدير المباحث حسن طلعت وهو ابن خالة ضياء الدين داوود, وكان يسيطر على الأمن المركزى”.. ثم يتحدث عن بكاء وعويل من جانب هذا أو ذاك.. ثم يقول سمعت أخبار استقالاتهم, ليبدع حين قال: “حضر هيكل مرتعشا.. إتضح أنه أوصى زوجته على أولاده, بعد أن سمع استقالة شعراوى فى الراديو.. كانت حالته يرثى لها وهو يسير فى شرفة بيتى, ويهز رأسه يمينا ويسارا.. طلبت منه أن يهدأ.. قلت له: إيه وجع الدماغ دة.. كل شئ انتهى.. البلد سليمة”!!
هذا التاريخ الذى صنعه “السادات” وطلب من إعلامه أن يحفظه الشعب!

المنهج نفسه أخذ به كل الذين حكموا بعده.. وعاشت مصر فى هذه “الدائرة المغلقة” لأكثر من نصف قرن.. يحكمنا اليوم بطل, والذين سبقوه كانوا سذج.. بلهاء.. دمروا الوطن.. خربوه.. وكلهم كان تركيزهم على “عبد الناصر” لتجويد نسف “الجمهورية الأولى” من جذورها.. ويأخذهم الذهول حين يكتشفون أن ذاكرة الشعب تنسى كل ما يقولونه, وتحفظ ما قدمته “ثورة 23 يوليو” لهم.. اللعبة ذاتها تتكرر, وكل من حكموا “الجمهورية الثانية” يحاولون الانتصار لزمن الملكية بتنويعات على لحن واحد..

لكن هذه الأغانى الهابطة, التى قدموها على أنها حقائق ووقائع.. كان مصيرها مثل مصير أغنية “لولاكى” ومن بعدها نجوم آخر زمن أمثال “حمو بيكا” و”شاكوش” وغيرهم من الذين احتضنهم “شوال الرز” عندما أصبح “وزيرا للترفيه”.. كما احتضن سابقيه “جماعة الإخوان” وغيرها من “الجماعات المفقوسة عنها”.. عندما كان مطلوبا اللعب بنار الإسلام السياسى.. حتى اكتشفوا أنها تحرقهم, بأكثر مما حرقت مصر.. وعلى هذه الأنقاض عادت إسرائيل لتقديم نفسها على أنها الأسطورة التى لا تقهر.. ظهرت دول النفط لتخلع عباءة “الصمود والتصدى” وذهبت إلى “موضة السلام” قبل أن تستريح على “شواطئ التطبيع” على مراحل لا تختلف عن حالات نصب “الزار السياسى” الذى تطور لكى يصبح إسمه “الديسكو” فى الزمن الأمريكى.. وصلنا إلى لحظة يستدعى فيها الرئيس الأمريكى رؤساء دول عربية للاحتفاء به على أرض عربية.. وظهر وزراء خارجية عرب متشابكى الأيدى مع وزير خارجية إسرائيل, على أرض فلسطين.. وكانت قد ظهرت “تركيا” التى تلعب ورقة الدفاع عن السنة.. مقابل “إيران” التى تلعب ورقة الدفاع عن الشيعة.. بينما “ولاد أمريكا” يمارسون كل فنون التدليس والكذب والنصب, مقابل شقة وسيارة فى هذه العاصمة الغربية أو تلك.. ولا مانع من حشو جيوبهم بآلاف أو ملايين الدولارات!!

شيطنة “عبد الناصر” فشلت لأن الفرق بين الأبيض والأسود كان واضحا!!

تعظيم “السادات” فشل بعد أن اكتشف العقلاء فداحة الثمن المدفوع!!
كيف حدث ذلك؟!

نعود إلى “أنور السادات” الذى يقول: “عبد الناصر كان أستاذ التحركات فى كلية أركان الحرب.. وعلم التحركات هو أعقد علم.. وكان يرسب فيه الضباط مرة ومرتين وأربع.. لأن عبد الناصر كان يملك عقلية تنظيمية فذة” ويضيف فى الحوارات ذاتها – والكتاب – قائلا عنه: “كان ضابطا محترما جدا.. ليس له أصدقاء.. له هيبة.. دائما كان فاصلا بينه وبين الآخرين.. صداقاته قليلة.. له كلمة”.. ثم يذهب إلى القول: “قضية مصطفى أمين كانت جزءا من مواجهة عبد الناصر مع الأمريكان.. وأنا شخصيا مقتنع أن دور مصطفى أمين مثل دور هيكل مع الأمريكان”!!

“السادات” يرى أن “عبد الناصر” كان ملاكا.. ويحدثك عنه على أنه “شيطان”!!

كان مطلوبا صناعة “ربكة” للمجتمع و”إرباك” للمثقفين!!
لا يجب أن ننكر أن الحالة تم صنعها.. حافظ عليها “حسنى مبارك” فى هدوء استمر لأكثر من ثلاثين عاما.. كانت الصدمة بالثورة عليه فى “25 يناير 2011” وقعت الثمرة بين أيدى “جماعة الإخوان” لتنتفض مصر.. إستطاع الشعب استعادة وعيه بما فعله فى “30 يونيو 2013”.. وراهن على نهاية “الجمهورية الثانية” وأن تبدأ “الجمهورية الثالثة” التى تأخذ الإيجابيات من الاثنتين, وتصحح سلبيات كليهما.. وقعت الواقعة.. فوجئ الشعب المصرى أن “الجمهورية الثانية” مستمرة.. إنتصر الذين يستمتعون بالنفط, واستراحت إسرائيل..

فوجئت كافة الأطراف بأن عالم جديد يحاول أن يفرض نفسه بإمكانيات حقيقية وأدوات جديدة.. إستعادت “روسيا” قوتها, وفرضت “الصين” عضلاتها. وبقيت “الهند” تدرس الموقف مع آخرين.. بينما مصر تقف مذهولة, حين وجدت أن “الجمهورية الثانية” أخذتها إلى حيث لا تدرى!!

صنعوا “خرافة” أن “ثورة 23 يوليو” أعادت مصر للوراء!!
أرادوا فرض “خرافة” أن “الجمهورية الثانية” هى طوق النجاة!!
خسرت مصر.. خسر العالم العربى.. ذهبنا إلى “المجهول” وبقى “ولاد أمريكا” يتقافزون على الشاشات, و”صبيانهم” يمارسون “الهرتلة” كتابة وكلاما.. وصلنا إلى مرحلة إدمان “النميمة” و”الهرتلة” التى يتبارى الإعلام والنواب والوزراء على ممارستها.. وحين تحاول أن تغوص فى أعماق الحقيقة, يقولون لك “مات عبد الناصر” و”مات السادات” وهى حقيقة.. لكن “منهج السادات” استمر يحكم.. لأن الذين استثمروا فى تجربة “عبد الناصر” كسبوا بحثهم عن فرصة عمل كخدم فى “البلاط الأمريكى” وقصور “شيوخ النفط” أما الذين يقاتلون دفاعا عن مصر الوطن والمجتمع.. فهم يدفعون ثمن احترامهم وتقديرهم لتجربة “الجمهورية الأولى” التى تركها “عبد الناصر” لنا وللتاريخ!!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى