النظريات النقدية منذ الجرجاني حتى التفكيكية وبعد ان قتلت المؤلف ، تحاول ان تكون موضوعية وتتنصل من النقد “الانطباعي”.
والموضوعية تقتضي ان يفصل الباحث ذاته عن الظاهرة التى يدرسها فهل يمكن ان يفصل الناقد ذاته عن العمل الفنى او الادبي اثناء دراسته؟
الدراسة النقدية للفن او الادب تهدف الى معرفة لماذا كان هذا العمل الفني والادبي جيدا.. وجودة الفن او الادب معناها التأثير الشعورى والفكري.. وربما يمكن تفسير التأثير الفكرى وفهم الرسائل الفلسفية او الاخلاقية للفن او الادب.
اما بالنسبة للتأثير الشعورى اى الجمالى فهنا لا يمكن فصل الذات عن العمل الفنى او الادبي فالتذوق الشعوري الجمالي عملية ذاتية نسبية فسكان الشرق الاوسط مثلا قد لا يمكنهم الاحساس بجمال موسيقى الشرق الاقصى والنظريات النقدية سواء للنقاد العرب القدامى او النقاد الاوروبيين تحاول ان تفسر التاثير الشعوري الجمالى للفن او الادب فتحدث النقاد العرب عن “الجزالة” وفسروها بانها عذوبة الألفاظ فى الفم وواضح ان “العذوبة” معيار ذاتي نسبي لا يمكن قياسه بصورة موضوعية.
وقال الجرجاني ان التاثير يأتى من نظم الجملة لا من كل لفظ على حدة.. لكن هذا لا يفسر جمال الجملة فيبقى الاحساس بجمالها معيارا ذاتيا.
أما بالنسبة للنظريات الغربية كالبنيوية والتفكيكية التى تحاول تحليل العمل بعيدا عن التذوق الذاتي له فانها تكون بهذا قد “قتلت” ايضا القارئ الذى يتذوق بشعوره بعد ان قتلت المؤلف الذى ألف أيضا بشعوره
وبعد موت المؤلف ثم القارئ.
ماذا تبقى من العمل الادبي .. جثة.. ولذلك فالنقد الغربي الحديث هو مجرد ثرثرة لا تؤدي الى فهم تاثير العمل الفني او الادبي وهى فى جوهرها ثرثرة “انطباعية” تتخللها ذات الناقد رغما عنه لانه فى النهاية قارئ والنقاد الغربيون يتحصنون خلف مصطلحات براقة يبدو ظاهرا انها كاشفة بينما غالبا هى مضللة حيث لا توجد علاقة سببية واضحة بينها وبين الجمال محل الدراسة ولعل النقد الوحيد الصادق المفيد هو النقد الانطباعي “الذاتى”
الذى يعرض تأثر الناقد كقارئ مثقف بالعمل الفنى او الادبي مما قد يساعد القارئ على تذوق العمل وفهم فلسفته ورسائله التكيفية ويساعد المؤلف على معرفة مواطن الجمال التى اثرت على الناقد.