منوعات

نصر القفاص يكتب : شيطنة “هيكل”!!

رهن “أنور السادات” قرار “استقلال مصر الوطنى” مقابل تحقيق “استقرار نظام حكمه” فخسر الاثنين معا.. وخسرت مصر قوتها وقدرتها!!

ادعى “أنور السادات” فى كل أحاديثه أن “الاتحاد السوفيتى” كان يسيطر على مقدرات البلاد..

تجاهل ما تحقق من إنجازات غير عادية بدعم المعسكر الشرقى.. رغم أنه هو الذى وقع “معاهدة صداقة” مع “موسكو” عكس اتجاه “عبد الناصر” برفض التورط فى أية أحلاف.. إعتبر أن ذلك كان مناورة.. صدق أن الولايات المتحدة الأمريكية ستساعده على تحقيق “الرخاء والرفاهية”.. فاكتشف أنها أخذته إلى “المصيدة” وعزلته عن العالم العربى.. أبعدته عن إفريقيا.. دفعته إلى أحضان أوروبا الغربية.. تركته لدول الخليج تتلاعب به مقابل “أوهام” جذب الاستثمار.. زينوا له طريق “إنفتاح السداح مداح” وتفكيك “القطاع العام” مع إهمال “الزراعة” وفتحوا أمامه طريق الاستدانة والقروض.. طالبوه بسرعة “إلغاء الدعم” لحظة أن أصبح فى عرض بحر الأزمة..

إنفجرت مصر فى وجهه خلال أحداث 18 و19 يناير 1977.. إستدرجوه إلى “السلام” والصلح منفردا مع إسرائيل, باعتباره طوق نجاته الوحيد.. جعلوه – إعلاميا ودعائيا – قائدا فذا وزعيما ينتظره التاريخ!! كانوا يراهنون على أن تتسع المسافة بينه وبين الشعب.. تأكدوا أنه أعطاهم كل ما يريدون.. تركوه يواجه الجميع حتى لقى مصيرا مذهلا!!

ينفى “أنور السادات” أنه وراء الحملات ضد “عبد الناصر” فى جملتين!!

يؤكد “أنور السادات” أنه الفاعل ومهندس العملية عبر صفحات وحكايات صنعها فى خياله!!

يأخذنا “موسى صبرى” لتأكيد ذلك, بنشر حواراته مع “السادات” وخلالها قال عجبا.. قام بتأليف تاريخ لن تجده عند غيره.. وقبل أن يفزع “عشاق السادات” أدعوهم إلى قراءة فصل بعنوان: “السادات يروى القصة كاملة” لتجد أنه يتحدث عن “عبد الناصر” بأنه كان بلا قدرة على اتخاذ قرار.. دليله على ذلك عجزه عن عزل “عبد الحكيم عامر” فيقول بالنص: “لماذا لم يبعد عبد الناصر عقب حرب 1956, عب

د الحكيم عامر.. وهو رئيس جمهورية.. يملك القرار.. ويعلم أن البلد كلها كانت ترحب بالقرار؟!”

قبل أن يجيب “أنور السادات” على السؤال الذى طرحه, يقول: “عندما قررت إخراج الفريق صادق.. نفذت على الفور.. هذه قضية مصير.. قضية رئاسة جيش”!! وعقب هذا الاستدراك, ولكى يوضح الفرق بينه وبين قائد وزعيم “الجمهورية الأولى”.. يعود إلى قصصه المسلية, فيقول: “دعانا عبد الناصر فجأة إلى اجتماع.. طلب رأينا فى عزل عبد الحكيم عامر دون أن يكون حاضرا.. كان رأينا بالإجماع ضرورة اعتزال عبد الحكيم عامر – مجلس قيادة الثورة – بعد تسببه فى فشل الوحدة مع سوريا.. عبد الناصر لم يحسم.. لجأ إلينا لكى نتخذ القرار.. بعدها قال له أننا الذين اتخذنا القرار.. عبد الحكيم فهم طبعا.. لا أعرف ماذا دار بينهما.. بعدها دار صراع رهيب بين الرجلين”!!
واضح ما يقوله “أنور السادات” لكنه قدم تفاصيلات أخرى لتأكيد قصته: “عاد عبد الحكيم أقوى.. أراد أن يثبت ذلك أمام البلد.. ليس فى القوات المسلحة فقط.. كنا اتخذنا القرار سنة 1961.. هو كان قد كتب استقالة نشرها أصدقاؤه.. ألح فيها على ما يثير غيظ جمال عبد الناصر وهو الديمقراطية والأحزاب”!!.. ثم يأخذنا “السادات” ليتحدث عن مراكز القوى, وكيف تكونت.. حكايات تضع شمس بدران مع على صبرى وعبد الحكيم عامر مع شعراوى جمعة وسامى شرف.. ثم يذهب إلى “محمد حسنين هيكل” واستفاض فى الحديث عنه, وأنه كان شريك “عبد الناصر” فى الحكم.. ويدعى أن “عبد الناصر” هو الذى بنى “الأهرام” لأنه أراد أن تكون صحيفته.. أعفاها من القوانين التى كان يتم تطبيقها على باقى المؤسسات.. ثم يضيف نصا: “كان هناك خط تليفونى بين هيكل وعبد الناصر لا يتدخل أحد فيه.. فقد كان أول من يتحدث إلى عبد الناصر فى الصباح.. وآخر من يتحدث إليه قبل أن ينام.. بعد ذلك أراد أن يجمع فى الأهرام كل الاتجاهات التى تسانده – يقصد هيكل – يمين.. يسار.. وسط.. اشتراكى.. شيوعى.. لأنه أراد أن يدعم وجوده كقوة مؤثرة”!!

الحقيقة التى يعرفها أعداء وخصوم “هيكل” قبل أصدقائه أنه كان صحفيا متفردا.. وكان يملك قدرات فى الإدارة صعب إنكارها.. وأن “هيكل” أنقذ “الأهرام” من أن تختفى بعد تفاوض مع أصحابها استمر لشهور.. وأنه عمل كرئيس تحرير فى ظل ملكية أصحابها لأربعة سنوات.. قبل صدور قوانين تنظيم الصحافة, التى يسمونها “تأميم الصحافة” واستمر معمولا بها حتى وقتنا هذا مع تعديلات هدفها قتل الصحافة.. حتى حدث ذلك مؤخرا!! لكن المدهش فى كلام “السادات” أنه يرى إفساح “هيكل” المجال لأصحاب الآراء والأفكار المختلفة والمتضادة.. يرجع إلى أنه يؤسس نفوذا شخصيا ليصبح “مركز قوة” كغيره من مراكز القوى.. وتلميحا أراد القول أنه كان يسيطر على “عبد الناصر” بدليل أنه أول من يكلمه صباحا.. وآخر من يتحدث إليه قبل أن ينام!! مع أن “السادات” و”موسى صبرى” يعلمان تمام العلم حقيقة العلاقة, وأنها كانت تقوم على احترام وتقدير متبادلين لأسباب موضوعية!!

يستمر “أنور السادات” فى تشويه “هيكل” بهدف ضرب “عبد الناصر” فيقول: “كان يشجع عبد الناصر على فتح المعارك مع دول عربية وغيرها.. ساعده على ذلك أن عبد الناصر بعد هزيمة 67 إقتنع تماما, بأنه المقصود بالحرب من أمريكا وإسرائيل.. وكان قد قطع خطوطه مع غرب أوروبا وإيران والعرب وأمريكا.. شن معارك صراع رهيبة بواسطة هيكل.. وهذه المعارك أكسبته مكانة على حساب عبد الناصر.. حتى أن عددا كبيرا من رؤساء الدول رفض زيارة مصر بسبب هيكل.. وسمعت ذلك شخصيا من بعضهم”!!

يؤمن “عشاق السادات” والذين حكموا بمنهجه.. أن الكذب فضيلة.. يرون أنه ذكاء.. المهم أن “السادات” قال بوضوح أن أمريكا وإسرائيل والغرب وإيران والعرب, كانوا يحاربون “عبد الناصر” شخصيا.. وتفسيره لذلك أنهم يكرهون “هيكل” الذى بنى مكانته على حساب “عبد الناصر” وهذا كلام يعكس ضحالة فى التفكير.. ناهيك عن أنه غير حقيقى.. لأنه إذا كان هناك عدد من رؤساء الدول, يرفضون زيارة مصر بسبب “هيكل”.. فهذا يعنى أن هؤلاء الرؤساء يتمتعون بالضحالة ذاتها.. أضف إلى ذلك أن زعماء العالم, كانوا يؤكدون سعادتهم بزيارة مصر.. وأن الزعماء العرب إلتفوا حول “عبد الناصر” بعد هزيمة يونيو 67, بقدر ما وجدوا الشعب المصرى والشعوب العربية تلتف حوله.. وما حدث فى “السودان” قبل وبعد قمة “الخرطوم” خير دليل وبرهان.. وهذه القمة هى التى أعلنت “لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف”!!

التاريخ الذى “فبركه” أنور السادات تم ترويجه بكثافة أملا فى أن يصدقه الناس!!

الحقيقة أن التاريخ يمكن تحريف بعض تفاصيله.. يجوز الاختلاف على تفسيرات وقائعه.. لكنه لا يقبل العبث به وشطب أحداثه, باختراع أوهام والزعم أنها كانت ما حدث.. بدليل أن “السادات” هو الوحيد الذى ادعى أنه طلب استقالة كل المحيطين بدائرة الحكم بعد الهزيمة.. يقول: “قلت له – يقصد عبد الناصر – لابد أن يحدث تغيير شامل.. إتخذت إجراءات فعلا.. إتصلت بجميع زملائنا وطلبت منهم استقالتهم.. عبد الحكيم عامر.. زكريا محيى الدين.. صدقى سليمان.. على صبرى.. وطلبت من زكريا أن يتولى إحضار استقالة حسين الشافعى.. وكتبت استقالتى لكى أقدمها إلى مجلس الأمة – كتبها موسى صبرى مجلس الشعب – لأن استقالتى كرئيس مجلس لا ترفع إلى رئيس الجمهورية.. واتصلت به وقلت له.. لقد أعلنت عدولك عن التنحى.. قال لى.. نعم سمعت من الراديو.. كان يتكلم من الغياهب.. كان فى حالة نفسية منهارة.. وأوضحت أن الشعب أسقط كل اللافتات.. إلا جمال عبد الناصر”!!

الفخامة تقتضى أن يذكر “السادات” عن نفسه “إستقالتى لا ترفع إلى رئيس الجمهورية” متجاهلا المسئولية التى كانت تقتضى وتفرض فتح ملفات الهزيمة, ومساءلة الذين تسببوا فيها.. ثم ينسف قصته المسلية تماما فى الفقرة نفسها, حين يقول: “أوضحت أن الشعب أسقط كل اللافتات.. إلا جمال عبد الناصر”!!.

ثم عاد إلى حديثه عن “هيكل” ليقول أنه أخذه الضيق من تعيينه وزيرا للإعلام – الإرشاد – رغم احتفاظه بموقعه فى “الأهرام” كما هو معروف.. وأن “هيكل” تحدث فى ذلك مع “لطفى الخولى” فى منزل سكرتيرته – يقصد نوال المحلاوى – والكلام وصل إلى “عبد الناصر”.. “واشتكى لى عبد الناصر متأثرا من هيكل.. فقابلته وقلت له: جرى لك إيه.. إنت اهبل.. الراجل عاوز يشغلك معاه.. تقوم تهرب”!! وهذه الجملة قالها لكى يذهب إلى الادعاء بأن “هيكل” تعود أن يمسك العصى من الوسط, حسب وصفه فى حكاياته وقصصه المسلية.. ويضيف حكايات وقصص أخرى لتأكيد ادعائه.. ثم يذكر حكاية لطيفة نتوقف عندها نصا: “طلبت من هيكل أن يحضر لى خطبة عيد العمال – مايو 1971 – وأعطيته النقط.. قلت له.. أريد فقرة عن مراكز القوى, وعن أننى لن أسمح بأى صراع, ومسئوليتى فى هذا البلد أن أطحن كل من يحاول إحداث صراع.. وقلت لهيكل الفقرة دى تكتبها بمنتهى الوضوح.. عند مراجعتى للخطاب لم أجد الفقرة التى طلبتها.. سألته لماذا لم تكتب الفقرة.. أجابنى إعمل معروف الجزء دة سيادتك تكتبه بنفسك.. قلت له.. كدة يا هيكل.. الساعة دلوقت 9 مساء.. أجابنى.. أرجوك يا فندم.. وفعلا سهرت ليلتها.. وكتبت الفقرة بنفسى”!!

فى “زمن عبد الناصر” كان “السادات” يقول لهيكل: “إنت اهبل”.. وعندما أصبح رئيسا يقول له عندما تجاهل جملة طلبها “كدة يا هيكل.. الساعة دلوقت 9 مساء” أى أنه كان يحادثه برقة ونعومة تصل إلى هذا الحد!! ثم لا يتورع الرئيس صاحب “الديمقراطية لها أنياب” عن القول أنه طلب جملة فى خطابه يقول فيها: “أطحن كل من يحاول إحداث صراع”.. وفاته أنه لم يتحدث عن “مراكز القوى” سوى بعد هذا الخطاب بأسبوعين!!.. وأن تعبير “مراكز القوى” إستخدمه “عبد الناصر” وذكره أكثر من مرة فى “بيان 30 مارس” 1968.. لكن “ماكينات الكذب” جعلت التعبير مقترنا بصاحب “ثورة كوبرى 15 مايو” وبالتأكيد أمثالى من الصحفيين تأخذهم نوبة ضحك.. لأن “السادات” يقول: “سهرت ليلتها لأكتب فقرة”.. وهو يدعى أنه صحفى وكاتب ومؤلف قصص ومسرحيات, كما ذكر “موسى صبرى” فى كتابهّ!!

تركيز “السادات” فى حواراته على “هيكل” إستغرق صفحات طوال.. أراد أن يقدمه على أنه ضعيف الشخصية.. كان يخاف منه.. بينما كان مسيطرا على “عبد الناصر” الذى لم يقو على استبعاد عبد الحكيم عامر.. أراد الزعم بأنه سبب كراهية رؤساء دول لمصر.. لأنه كان مركز قوة.. أراد القول بأنه لم يبنى صرحا صحفيا عملاقا – الأهرام فى عصرنا الحديث – لأن “عبد الناصر” هو الذى فعل, وكان يستهدف ضرب “الأهرام” لإحلال “الأخبار” محلها.. مرة بتولية أمرها إلى “على أمين” وأخرى بتنصيب من اعتقد أنهم يقدرون على تنفيذ المهمة.. لكنهم فشلوا.. منعه من الكتابة.. إنتشر أكثر.. نصب له محكمة تفتيش عبر المدعى الاشتراكى.. قهرهم ونشر التفاصيل فى كتابه “وقائع تحقيق سياسى” الذى كشف تفاصيلا مذهلة.. قال عن “هيكل” أنه متآمر عليه وعلى “عبد الناصر” مع أن ذلك يصعب استيعابه عقلا ولا منطق.. وأخيرا ذهب إلى اعتقاله – التحفظ عليه – فى أحداث سبتمبر 1981.. ولأن “عبد الناصر” كان صداعا فى رأس “السادات” إعتقد أن الشفاء منه يكون بشطب “هيكل” نهائيا.. إعتقد أن “شيطنة هيكل” و”شيطنة الاتحاد السوفيتى” ستحقق “شيطنة عبد الناصر” لإرضاء الذين راهن عليهم فى أن يحققوا “الرخاء والرفاهية” لكى يلتف حوله الشعب المصرى ويقدره العالم العربى.. فلم يجن غير رضا أمريكا والكتلة الغربية وإيران – قبل سقوط الشاه – وإسرائيل.. وعلى دربه سار الذين حكموا بعده!!

مرافعة “موسى صبرى” عن “السادات” مازال فيها الكثير!!

التاريخ الذى “فبركه” السادات مازال يحمل حكايات وقصص تكشف أكبر “عملية نصب” على العقل المصرى.. شارك فى تنفيذها جيوش من “أراجوزات التنوير” على مدى سنوات طوال.. لن نستطيع أن نفهمها دون أن ندقق فيما يقولون ويكتبون بإعادة نشره وإلقاء الضوء عليه.. ربما لأننا وجدنا أنفسنا دخلنا نفق مظلم.. وكلما حاولنا الخروج, نكتشف أننا ندور داخل “دائرة مغلقة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى