لم أكن أتوقع أبداً بلوغ الغلظة منتهاها في قلوب بعض موظفي الجامعات إلى الحد الذي جعل جامعة الأزهر فرع أسيوط ترفض قبول طلب تحويل تقدمت به طالبة مغتربة مصابة بمرض مزمن يعوقها عن الحركة ..
وعندما حاول والدها ــ وهو بالمناسبة أستاذ بكلية الطب في نفس الجامعة ــ الاستفسار عن سبب الرفض بسؤال مدير شئون الطلبة مباشرة ، فما كان من الرجل الذي “لافض فوه “إلا أن قال له بالحرف الواحد : “حتى لو كانت الطالبة مريضة بالسرطان سنرفض تحويلها ” !! الملافظ سعد يااااااا .
الواقعة السابقة حكى لي تفاصيلها صديق أستاذ مساعد بكلية طب الأزهر ووالد الطالبة المغتربة بطب أسيوط .. ابنته شفاها الله وعافاها مصابة بمرض عُضال مزمن اسمه “ms ” ، ويعني التهاب عصبي متناثر وهو مرض يسبب إعاقة حركية للمريض .. الرجل قدم طلباً لرئيس جامعة الأزهر السابق ولنائب رئيس الجامعة فرع أسيوط وأرفق بالطلب كافة التقارير وأشعات الرنين المغناطيسي والمقطعيات والتحاليل الطبية الدالة والمؤكدة على وجود المرض .. ورغم كل ذلك رفضوا تحويلها إلى كلية قريبة من مسكنها وحفظوا الطلب دون عرض الفتاة على لجنة من أطباء المخ والأعصاب بلا شفقة أو رحمة أو مراعاة لحالتها الصحية !
إن الواقعة المؤسفة السابقة تكشف اللثام عن واقع أكثر أسفاً لكثير من حالات الاغتراب بمختلف الكليات والجامعات خاصة من تعانين أمراضا مزمنة تستلزم وجودهن بجوار أسرهن ، لكن لوائح التحويل لكليات مناظرة قريبة لا تعترف بذلك .. الأمر الذي يدفعني لإعادة فتح ملف اغتراب الطالبات .
هذه الظاهرة يعاني منها عدد ضخم من الطلبة والطالبات ولا يستفيد من لوائح التحويل سوى نسبة الـ 10 % فقط والتي حددها المجلس الأعلى لكل كلية وطبقا للإمكانيات الاستيعابية للكليات ، ولم تتم زيادة أعداد المقبولين عن تلك النسبة بحجة احتمالات تهديد مستوى الدراسة أو الإضرار بالعملية التعليمية ، فإمكانية التحويل للكليات داخل النطاق الجغرافى تتحدد طبقا للأعداد والطاقة الاستعابية للكليات ، ووفقاً لترتيب الطالب بين الطلاب الراغبين في التحويل شريطة حصوله على الحد الأدنى لمجموع الدرجات الذي قبلته الكلية المطلوب التحويل إليها، فضلاً عن استيفاء باقي قواعد القبول الأخرى مثل النجاح في اختبارات القدرات إن وجدت !
أعلم جيداً أن هناك معوقات وموانع تحول دون القضاء على ظاهرة اغتراب أبنائنا وبناتنا من الدارسين والدارسات بالجامعات وعلى رأسها الطاقة الاستيعابية للكليات ، فهي عامل أساسي ومهم في تحديد الحد الأدني للمجموع المسموح به للالتحاق بتلك الكليات ، حتى لا يحدث تكدس يضر بالعملية التعليمية لاسيما في الكليات العملية كالطب والهندسة ، لكني تصورت وجود مرونة أو استثناءات في تطبيق تلك اللوائح على من يعانون أمراضا مزمنة لا سيما الطالبات !
وأتصورأيضاُ أنه لا أحد ينكر أحقية طالبات الجامعات المغتربات بأن يكن على رأس قوائم المقبولين ، فما بالكم بمن تعانين مرضاً عضال !
ربما يتحمل الطلاب معاناة الغربة لكن المخاطر المحتملة التي يمكن أن تواجه الطالبات المغتربات كبيرة وكثيرة وصعبة ، خاصة من لم يحالفهن الحظ بالإقامة في المدن الجامعية ، فيضطررن للبحث عن مسكن بديل كبيوت المغتربات أو الشقق المفروشة وما أدراك ما يحدث في تلك البيوت والشقق من مضايقات وتحرش وانتهاك للخصوصية من قبل الجيران ، فضلا عن الارتفاع الرهيب في الإيجار الشهري وأغلب الفتيات ينتمين لأسر فقيرة لا تستطيع تحمل نفقات الدراسة، بل إن بعض أولئك الطالبات قد يضطررن إلى البحث عن عمل بجانب الدراسة لتوفير جزء من تكاليف السكن أونفقاتهن الخاصة، فتكون النتيجة عدم قدرتهن على تحصيل دروسهن فى تلك الأجواء الصعبة !
وإذا تحدثنا عن مشكلات «بيوت المغتربات» رغم خضوعها لشروط وزارة التضامن الاجتماعى ، على سبيل المثال ، فإن المجال لن يسمح بل يحتاج إلى مقال منفصل ، لهذا دعوني أتناول في عجالة قدراً ولو ضئيل من تلك المشكلات ، فالغرفة الواحدة تقيم فيها 6طالبات، ومن ثم ينفتح المجال على مصراعيه لحدوث كثير من الخلافات مثل تداول استخدام الأدوات الشخصية الخاصة بكل طالبة، وما يمثله من انتهاك لخصوصيات كل مغتربة فى المأكل والمشرب والملابس، بخلاف المشاكل الصباحية التي تلازم المغتربة عند دخول الحمام نظرًا للتوقيت الواحد الذى يجمعهن قبل الخروج إلى كلياتهن ، وكذلك اختلاف مواعيد المذاكرة والنوم لكل طالبة عن الأخرى مما يتسبب في وقوع مشاحنات و مشاجرات كثيرة بينهن ، فضلاً عن المشاكل الدائمة مع عمال الدار ، وناهيك عن انتشار البلطجية والمتحرشين في المنطقة المحيطة ، والإقامة في بيوت المغتربات ليست رخيصة بل تدفع الطالبة الواحدة ٤٠٠ جنيه شهريًا فضلا عن ٤٠٠ جنيه تأمين فضلا عن ٤٠٠ جنيه تأمين، يُخصم ٢٥٪ منها عند مغادرة السكن، بالإضافة إلى ٥٠ جنيهًا تدفع كرسوم دخول.
لذا تفضل بعض الطالبات لا سيما المقتدرات الإقامة في الشقق المفروشة المنتشرة بكثرة في محيط كلياتهن .. وكما يبدو نلاحظ أن الخيارين كلاهما مُر طالما لم تتوفر لهن أماكن بالمدن الجامعية !
بكل أسف لم تتح لي إحصائية بأعداد طالبات الجامعات المغتربات ، لكن المؤكد أن هناك حلولاً كثيرة في أيدي المسئولين ، من أجل إنهاء اغترابهن أو توفير أماكن إقامة لهن بالمدن الجامعية ــ على الأقل ــ باعتبارها الملاذ الأكثر أمانا لهن والأقل مشكلات وصعوبة وتكلفة مادية مقارنة ببيوت المغتربات أو الشقق المفروشة !
لا شك أن اغتراب الفتاة بعيداً عن أسرتها وبيئتها التى نشأت فيها يعد تجربة صعبة وأمراً ليس بالهين ، لهذا اسمحوا لي أن أوجه حديثي إلى وزير التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات .. لماذا لا نغير اللوائح ؟ لماذا لا نستثني الطالبات المغتربات المريضات بصفة خاصة من شروط التحويل ؟ فمن غير المقبول أبدا ما قاله مدير شئون الطلاب بجامعة الأزهر لوالد إحدى الطالبات ولابد من محاسبته على غلظته المستفزة ! .. لماذا لا نستثني الطالبات المغتربات بصفة عامة من بعض الشروط ونمنحهن الأولوية في التحويل ؟ ثم ماذا يضير الطاقة الاستيعابية للكليات لو زادت قليلاً عن المسموح مقابل القضاء على ظاهرة اغتراب بناتنا ؟
لماذا لا نتوسع في إنشاء المدن الجامعية الجديدة أو توسعة المدن الحالية حتى نوفر أماكن آمنة ومحترمة ومنضبطة للمغتربين والمغتربات ؟
يا فضيلة شيخ الأزهر ويا وزير التعليم العالي بصفتك رئيس المجلس الأعلى للجامعات ويا أعضاء المجلس .. رفقا بالطالبات المغتربات لا سيما المريضات !